{وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ} حيث واجه تمرد قومه وتعنّتهم وكفرهم وجحودهم ،بالرغم من كل الأساليب المتنوعة ،والوسائل الكثيرة التي سلك سبلها من أجل هدايتهم إلى الله ،في مدى ما يقارب الألف سنة ،حتى طلب الاستغاثةفي نهاية تجاربهلكي يُنَزِّل الله عذابه بهم ،ويستبدلَ بهم جيلاً جديداً خالياً من العقد التي تمنع من ولوج طريق الإيمان ،فكان نداؤه في استغاثته الأخيرة نداء النبيالرسول الذي لا يحمل عقدة اليأس في روحه ،ولكنه يعيش هم الرسالة في تطلعاته ،ليبحث لها عن أفق جديد ،وجيل جديد ،{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} نداءه عندما قال:{أَنُّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ} [ القمر:10] ،{فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} الصالحين{مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} الذي كان يعانيه في ذلك الجو الكافر الساخر الذي يمارس القوة ضده ،ويحاصر دعوته في كل مكان ،ويمنع الناس من الاستماع إليه ،ويضيق عليه غاية التضييق حتى يحبس عليه أنفاسه ،الأمر الذي جعله يشعر بأن كل جهوده تذهب هباء ،وأن الناس من حوله يتجهون إلى الانتحار الروحي من خلال أجواء الكفر والتمرد والطغيان ..وكان يحب لهؤلاء الناس أن ينفتحوا على الله ،وأن يهتدوا بهداه ،وأن يقتربوا من ساحة رحمته ورضوانه ،لأن ذلك هو سر سعادة الدنيا والآخرة .وكان يتألم للمستضعفين منهم أنهم يخضعون للقوى المستكبرة ،وينسحقون تحت وطأة ظلمهم ،من دون أي أساس لذلك ،ومن دون أية فائدة لهم على مستوى الحاضر والمستقبل .