...وتمضي آيات القرآن في جولة سريعة على تاريخ الأنبياء في إيحاءات متلاحقة بالرعاية الإلهية التي كانت تحوطهم في قضاياهم الخاصة والعامة ،حتى في المفردات الصغيرة من الواقع ،لتوحي من خلال ذلك ،أن الله لا يترك عباده ورسله الذين أخلصوا له الإيمان والعمل ،ولا يهمل أوضاعهم ،وأنه يسمع دعاءهم ومناجاتهم وشكاواهم ،ليستجيب لذلك كله ،بطريقة سريعة تحمل الكثير من اللطف ،والكثير من الحنان .
{وَأَيُّوبَ} هذا النبيّ الذي ابتلاه الله بأشد أنواع البلاء ،فذهب ماله ومات أولاده ،وابتلي بمرض شديد مدّة طويلة ،من دون أن يتأفف أو يتضجر ،أو يعترض على الله في حكمه ،أو يتعقّد من ذلك في حركة إيمانه ،ما جعله مثلاً يضرب به للصبر ،عندما يتحدث الناس عن الصبر ،فيذكرون صبر أيّوب ،ولكن ذلك لم يمنعه من الاستغاثة بالله ،والابتهال إليه لأن ذلك ما يريده الله من عباده الصالحين الذين يستشعرون الإحساس بالحاجة المطلقة إليه ،لا سيما في حال البلاء .
وهكذا رفع أيوب صوته بالدعاء إلى الله ،بعد أن تمرّد على كل نوازع الجزع في نفسه ،وارتفع عن كل عوامل الإشفاق من حوله:{إذ نادى ربه أني مسني الضر} فقد أكل المرض كل مظاهر العافية في جسدي ،{وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} وليس هناك من يرحمني غيرك ،وأنت الذي خلقت عبادك ،وأنعمت عليهم ،وسخّرت لهم الوجود كله برحمتك ولطفك ؛