{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} لأنه المحيط بكل خلقه وكل مواقعهم ،فلا يمتنع عليه معرفة شيء من ذلك كله ،{وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمور} ،فهو الذي بيده الحساب ،وإليه المآب ،في ما يتنازعون فيه ،وفي ما يختلفون عليه ،وفي ما يقومون به من أعمال خيّرة أو شريرة .ويحتمل أن تكون عبارة{مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم} راجعة إلى من يصطفيهم الله رسلاً من الملائكة والناس ،وذلك في ما استظهره صاحب الميزان في تفسيره ،قال: «والآيةكما ترىتنادي بأن ذكر علمه بما بين أيديهم وما خلفهم للدلالة على أنه تعالى مراقبٌ للطريق الذي يسلكه الوحي فيما بينه وبين الناس ،حافظ له أن يختل في نفسه بنسيان أو تغيير أو يفسد بشيءٍ من مكائد الشياطين وتسويلاتهم ،كل ذلك لأن حملة الوحي من الرسل بعينه وبمشهد منه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وهو بالمرصاد .ومن هنا يظهر أن المراد بما بين أيديهم هو ما بينهم وبين من يؤدون إليه ،فما بين أيدي الرسول الملكي ،هو ما بينه وبين الرسول الإنساني ،وما بين يدي الرسول الإنساني هو ما بينه وبين الناس ،والمراد بما خلفهم هو ما بينهم وبين الله سبحانه ،والجميع سائرون من جانب الله إلى الناس .فالوحي في مأمنٍ إلهيّ منذ يصدر من ساحة العظمة والكبرياء إلى أن يبلغ الناس ،ولازمه أن الرسل معصومون في تلقّي الوحي ،ومعصومون في حفظه ،ومعصومون في إبلاغه للناس » .
وهذا الاحتمال وجيه في نفسه ،وقريبٌ إلى واقع المسألة ،ولكن استظهاره من الآية غير واضح ،لأن الظاهر أنها واردة لتأكيد إحاطة الله بالأشياء ،على غرار ما جرى عليه الأسلوب القرآني من تأكيد صفات الله في الجوّ العام للقضايا التي تثيرها الآيات ؛والله العالم .
وتلك هي الصورة التي يريد الله لعباده أن يتمثلوها في وعيهم العقيدي لموقع ذات الإله العظيم ،ليتفرّد في عقولهم وقلوبهم ،كما هو متفردٌ في ذاته ،عندما يقارنون بوعي بين سرّ العظمة في ذاته وسرّ الحقارة في خلقه .