{وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً} عاش أجواء الأمة ،وعرف تجربتها ،واطَّلع على أفكارها وانتماءاتها وسرّها وعلانيتها ،ما يجعله قادراً على تقييم ذلك في نفسه وتفصيله في شهادته .وليست الشهادة لزيادة المعرفة ،ولكشف الواقع ،بل هي لتأكيد الموقف الحق في وعي المبطلين ،وإعلانه على رؤوس الأشهاد ،لإظهار الحجة في موقف الحساب ،ليعلمواجميعاًعدالة الله في عقاب الكافرين والضالين ،{فَقُلْنَا هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ} على ما اعتقدتم وأعلنتم من الشرك ،ماذا يملك هؤلاء من خصائص الألوهية ،وما الذي يؤكد على صحة الدعوى ؟!فإن الحقيقة تتبع البرهان القويّ الذي يثبت محتواه باليقين القاطع ،ولكنهم لا يجدون جواباً ،لأن كل الحجج الواهية التي كانوا يخدعون بها البسطاء ،ويوهمون بها أنفسهم ،قد تساقطت أمام النور الواضح الذي تشرقمن خلالهحقيقة الوحدانية .
{فَعَلِمُواْ أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ} في ما جاءت به رسله ،ونزلت به كتبه ،وأن ما يزعمونه الباطل{وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} فقد تبخّر كل شيءٍ في الفراغ أمام حقائق التوحيد التي تصدم كل أضاليل الباطل ،فلا يبقى منه شيء .
وقد يثير البعض سؤالاً ،وهو أن وحدانية الله لا تحتاج إلى دليلٍ في يوم القيامة ،لأن الوضوح الذي يهيمن على الموقف كله لا يترك مجالاً لأيّة شبهة من أي نوع كان ،فكيف يُطلب البرهان على شركهم ،لتكون النتيجةبعد ذلكالوصول إلى حالة العلم ،بأن الله هو الحق ؟
والجواب عن ذلك ،أن التعبير هنا واردٌ على سبيل تصوير طبيعة المسألة من خلال توفّر العناصر اليقينية في تأكيد الحقيقة ،في انطلاقهم من حالةٍ غير برهانية ،أما التعبير بكلمة{فَعَلِمُواْ أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ} فالظاهر أن المراد بها ،ظهور هذه المسألة في ذلك الموقف ،وكثيراً ما يعبر في القرآن عن ظهور ما يعلمه الله بحصول العلم فيه من جهة إرادة ظهوره ،والله العالم .