{وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِالاَْمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} فقد شاهدوه وهو ينزل بجسده إلى الأرض ويستغيث ولا مغيث له ،ورأوا بعقولهم ،أن المال لا يغني عن صاحبه شيئاً أمام إرادة الله ،لأن الله هو الذي يملك الأمر كله في العطاء والأخذ ،والموت والحياة .وهكذا بدأوا الرجوع إلى الحقيقة التي فرضت نفسها عليهم ،وهي أن الله وحده هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر ،وأن الناس لا يملكون من أمرهم شيئاً إلا في ما ملّكهم الله إيّاه .
وكلمة ( وي ) مفصولة عن كلمة ( كأن ) وهي كلمة تنبّه على الخطأ والتندّم ،ومعناها أن القوم قد تنبهوا إلى خطأهم في تمنيهم .أمّا التعبير عن الفكرة الصحيحة بكأن ،فربما يكون خاضعاً للإعلان عن الصدمة التي تلقّوها في مسألة مصير قارون التي هزّت قناعاتهم ،فبدأوا يتراجعون تدريجياً ،ما يجعل التعبير على سبيل التشبيه الذي يوحي بالاحتمال القريب جداً .وهو تعبير متعارف في ابتداء انكشاف الحقيقة ،التي كان يُرى خلافها ،للإنسان ،فيقول بعض الناس في ما كانوا ينكرونه ،كأن المسألة كانت على غير ما نعتقد ؛والله العالم .
ويقول صاحب الكشاف ،إن هذا المعنى في كلمة ( وي ) هو مذهب الخليل وسيبويه ،واستشهد عليه بقول الشاعر:
ويْ كأن من لم يكن له نشب يحب ب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ
وبما نقله الفراء ،أن أعرابية قالت لزوجها: أين ابنك ؟فقال: وي كأنه وراء البيت .
وعند الكوفيين ،أن ويك بمعنى ويلك[ 1] ..ويكون المعنى ألم تعلم أن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر .
{لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} فلم يجعلنا مثل قارون في موقعه وفي ذهنيته وسلوكه{لَخَسَفَ بِنَا} كما خسف به{وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} كيف فكرنا بهذه الطريقة ،وكيف قلنا ما قلناه مما لا مصلحة لنا فيه ،كأن المسألة التي تقارب الصواب ،هي أن الكافرين لا يفلحون في الدنيا والآخرة ،لأنهم انفصلوا عن الله الذي بيدهوحدهالنجاح والفلاح .