وأمَّا الذين ابيضَّت وجوهُهُم] فقد عاشوا حياتهم مع اللّه ؛فإذا فكروا كان اللّه أوّل ما يفكّرون به في عظمة خلقه وكرمه في نعمه ،وفي كلّ شيء يحيط بهم ،وإذا خطّطوا لحياتهم كان اللّه هو الذي يستلهمونه في رسم تلك المخططات ،وإذا واجهتهم الشهوات ،وقفوا منها وقفة التوازن التي تأخذ منها ما يبني للإنسان روحه وجسده في ما ينفع الروح والجسد ،وترفض منها ما يهدم للإنسان كيانه في ما يضرهما ؛أمّا إذا عاشوا مع النَّاس ،فإنَّهم لا يفكّرون بأنفسهم في سجن الأنانية ،بل ينفتحون على الحياة الفردية والاجتماعية للآخرين كمنطلق لممارسة المسؤولية المفروضة عليهم من اللّه في أن تكون حياتهم خيراً وبركةً للآخرين ،فلا يصدر منهم أيّ ضرر أو فساد لأي إنسان ،وإذا وقفوا مع أنفسهم تذكروا اللّه قبل ذلك ،فعلموا أنَّهم عبيد له ،وعرفوا أنَّ من واجبهم أن يعبدوه حقّ عبادته ويطيعوه حقّ طاعته في كلّ ما يستطيعونه ويقدرون عليه من ذلك ...فكانوا قريبين من اللّه في فكرهم وشعورهم وعملهم ،فاستحقوا رحمته الخالدة التي يمنحها للصالحين والمجاهدين من عباده [ ففي رحمةِ اللّه هم فيها خالدون] .