[ وللّه ما في السَّماوات وما في الأرض وإلى اللّه تُرجع الأمور] فإنَّها تثير الغنى المطلق للّه من جهة ما يمثِّله ملك القوى والطاقات والأشياء الموجودة في السَّماوات والأرض ،ما يجعله مهيمناً على الأمر كلّه من دون عقدة ضعف أو حاجة ،كما تثير في داخل الإنسان الشعور بعظمة اللّه في أسلوب تربوي يدفع الإنسان إلى التفكير بالارتباط به ،لأنَّه مصدر القوّة في كلّ من حوله وما هو حوله ،فإنَّه يملك الأمر فيها جميعاً ،كما أنَّ مرجع الأمور إليه في المصير في نهاياتها ،كما كانت كذلك في بداياتها .
وقد ذكر صاحب تفسير الميزان أنَّه لا يجوز تعليل نفي إرادة الظلم من اللّه سبحانه بغناه عنه ،لأنَّ ظاهر الآية هو التأكيد على ملكه لما في السَّماوات والأرض ،لأنَّه إذا كان يملك جميع الأشياء من جميع الجهات ،فله أن يتصرّف فيها بما يشاء ،فلا يتصوّر في حقّه التصرّف في ما لا يملكه حتّى يكون ظلماً وتعدياً .
ولكنَّنا نلاحظ أنَّ اللّه تحدّث عن الظلم من حيثُ إنَّه لا يتناسب مع عظمته ورحمته وانطلاق إرادته من قاعدة الحقّ ،لأنَّه ليس بحاجة إليه بالطريقة التي يحتاج فيها الظالمون إلى الظلم على أساس ضعف وعقدة أو خوف أو ما إلى ذلك ...وليس ظاهراً في الحديث عن عدم تحقيق موضوع الظلم ،باعتبار أنَّه يتصرّف في ملكه .وعلى ضوء هذا ،فإنَّ الآية الثانية تعرّضت للملك الشامل الذي يجعل الأمور في تصرّفه ،ما يؤدّي إلى أنَّهوحدهالمتصرّف فيها ،المسلّط عليها ،ما يقتضي رجوعها إليه ،واللّه العالم .
وقد نلاحظ تنوّع الأساليب المماثلة في القرآن الكريم من أجل تربية الشعور بالحضور الإلهي في كلّ مظاهر الحياة المحيطة به ،ما يدخل في عملية البناء الداخلي للشخصية الإسلامية ،وليس مجرّد إبراز حقيقةٍ من حقائق العقيدة .وفي ضوء ذلك ،لا بُدَّ للعاملين في حقل تربية الناشئة الإسلامية من أن يؤكّدوا على استثارة هذا الأسلوب في تربية العقيدة في نفس الإنسان المسلم .