صلاة الخوف
للصلاة عند الله أهمية كبرى ،لأنها معراج روح المؤمن وقلبه إلى الله ولذا اعتبرها رسول الله( ص ) عمود الدين ،«فإن قُبِلَت قُبِلَ ما سواها ،وإن رُدَّت رُدّ ما سواها » .وقال الفقهاء: إنها لا تترك بحال ،بل ينتقل الإنسان في حالة الضرورة من شكل إلى آخر ،فهناك صلاة المضطر والخائف والمريض والغريق ...وللجهاد أهميته الكبرى عند الله ،باعتباره القاعدة الصلبة التي ترتكز عليها قوة الإسلام والمسلمين ،فكيف يصلّي المسلمون في الأجواء التي تسبق المعركة ويسودها الحذر ويطوف في مجالاتها الشعور بالخوف ؟هل يلقون السلاح ،أم يحملونه ؟وهل يمكنهم الصلاة جماعة ،أم فرادى ؟إن هذه الآية تحدد لنا نوعاً من أنواع ما يطلق عليه الفقهاء «صلاة الخوف » ،مما فصلتها السنّة في أحاديثها بأكثر من طريقة .
{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ في الأرض} ؛والضرب في الأرض كناية عن السفر ،{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصّلاةِ} وهذهكما يقول المفسرونأوّل آية شرّعت قصر الصلاة ؛وربما يبدو من التعبير بنفي الجناح ،أنها في معرض الرخصة لا الإلزام ؛ولكن التدقيق في المسألة يوحي بأن مثل هذا التعبير قد يأتي للإيحاء برفع توهم الحرمة ،في ما يتوهم المكلفون ذلك ،فلا تنافي الإلزامكما جاءت به الأحاديثفعن الإمام محمد الباقر( ع ) ،كما رواه محمد بن مسلم وزرارة ،أنهما قالا: قلنا لأبي جعفر( ع ): ما تقول في صلاة السفر كيف هي ،وكم هي ؟فقال: إن الله عز وجل يقول:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصّلاة} ،فصار التقصير في السفر واجباً كوجوب التام في الحضر ؛قالا: قلنا: إنما قال الله عز وجل:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} ولم يقل افعلوا ،كيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر ؟فقال: أوليس قد قال الله:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [ البقرة:158] ،ألا ترون أن الطواف بهما واجب مفروض ،لأن اللهعزّ وجلّذكره في كتابه وصنعه نبيه ،وكذلك التقصير في السفر شيء صنعه النبي( ص ) وذكره الله تعالى في كتابه .وللفقهاء المسلمين الآخرين رأي آخر في التخيير ،وتفصيل ذلك في كتب الفقه .
{إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} ؛والفتنة هنابقرينة الموردالضغط الذي يمارسونه بالتعذيب والقتل والضرب ،مما يريدون به هزيمة المسلمين وفتنتهم عن الثبات على دينهم .ولعل التشريع الأول للقصر كان في هذه الحال ،ثم امتدّ بعد ذلك إلى جميع أنواع السفر بحدوده الشرعية كما جاءت به السنّة الشريفة:{إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً} ،فلا بد من الاحتراز منهم في حالتي السلم والحرب .وقد شرّع الله قصر الصلاة من أجل تحقيق هذا الهدف في حالة الحرب .