مناسبة النزول
جاء في أسباب النزولللواحديبإسناده عن مجاهد ،قال: حدثنا أبو عياش الزُّرَقي ،قال: صلينا مع رسول الله( ص ) الظّهر ،فقال المشركون: قد كانوا على حال لو كنّا أصبنا منهم غرّة ،قالوا: تأتي عليهم صلاة هي أحبّ إليهم من آبائهم ،قال: وهي العصر ،قال: فنزل جبريل( ع ) بهذه الآية بين الأولى والعصر:{وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} ،وهم بعسفان ،وعلى المشركين خالد بن الوليد ،وهم بيننا وبين القبلة ،وذكر صلاة الخوف .
وذكر صاحب الميزان أنه جاء في تفسير القمي: نزلتيعني آية صلاة الخوفلما خرج رسول الله( ص ) إلى الحديبية يريد مكة ،فلما وقع الخبر إلى قريش بعثوا خالد بن الوليد في مائتي فارس ليستقبل رسول الله( ص ) ،فكان يعارض رسول الله( ص ) على الجبال ،فلما كان في بعض الطريق وحضرت صلاة الظهر أذّن بلال ،وصلّى رسول الله( ص ) بالناس ،فقال خالد بن الوليد: لو كنّا حملنا عليهم وهم في الصلاة لأصبناهم ،فإنهم لا يقطعون صلاتهم ،ولكن يجيء لهم الان صلاة أخرى هي أحب إليهم من ضياء أبصارهم ،فإذا دخلوا في الصلاة أغرنا عليهم ،فنزل جبرائيل على رسول الله1 بصلاة الخوف في قوله:{وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ} .
وجاء في تفسير البيان عن مجاهد: كان النبي( ص ) وأصحابه بعسفان ،والمشركون بضجنان ،فتواقفوا ،فصلّى النبي( ص ) بأصحابه صلاة الظهر ركعتين أو أربعاً .شكَّ أبو عاصم ركوعهم وسجودهم وقيامهم معاً جميعاً ،فهمَّ بهم المشركون أن يغيروا على أمتعتهم وأثقالهم ،فأنزل الله عليه:{فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ} ،فصلّى العصر ،فصفّ أصحابه صفّين ،ثم كبّر بهم جميعاً ،ثم سجد الأوّلون سجدة ،والآخرون قيام ،ثم سجد الآخرون حين قام النبي( ص ) ثمّ كبّر بهم وركعوا جميعاً ،فتقدم الصف الآخر واستأخر الأوّل ،فتعاقبوا السجود كما فعلوا أوّل مرة .وقصر العصر إلى ركعتين .
هذا وقد وردت روايات كثيرة في سبب نزول هذه الآية كلّها في محور قريب مما أوردنا .
{وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ} فيصلّون صلاة جماعة ويبقى الآخرون في حالة حراسة ،{وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ} في حال الصلاة ليكونوا على استعداد في حالة هجوم العدو عليهم ،من دون أن يخرجهم ذلك عن جو العبادة ؛لأن الجهاد في سبيل الله وقفةٌ مع الله ،كما هي الصلاة وقفةٌ روحية معه .{فَإِذَا سَجَدُواْ} وفرغوا من الصلاة بعد أن أتموها وحدهم في الركعة الثانية ،{فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ} لأخذ مواقعهم في حراسة أرض المعركة ،{وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ} من العدو ،بأن يكونوا في حالة استعداد دائم للدفاع والمقاومة{وَأَسْلِحَتَهُمْ} ليستعملوها عند الحاجة ،لأن العدو لا يؤمن له ،فيمكن أن يستغل فرصة انشغالهم بالصلاة ،فيهجم عليهم{وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً واحِدَةً} في هجوم صاعق .
{وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى} لا تستطيعون حمل السلاح في حال الصلاة ،{أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ} لتمنعوا العدو من الهجوم عند أول بادرة عدائية من قبله{إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً} في الدنيا والآخرة ؛