{وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً}{وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً} .
إن الإسلام يرفض الخيانة من الإنسان بأيّ شكل كانت ،وفي أيّ موقع وجد ،في الحقول العامة والخاصة من حياة الفرد والمجتمع ،في قضايا المال والحكم والنفس والعرض والعلاقات ...ويؤكد الإسلام ،في رفضه لكل القيم الشريرة ،على أن يتحرك الرفض في الفكر والشعور والعمل ،فلا يعيش الإنسان فكر الخيانة كطريقةٍ يخطط بها الخطط ،ليتحرك الفكر من هذا الموقع ،ولا يرضى له بأن يتعاطف مع الخائنين بالشعور والكلمة والموقف ،لأن المؤمن لا يجتمع في قلبه حب الأمانة وكره الخيانة مع محبة الخائنين ؛وعلى هذا ،فلا بد من مواجهة الخونة بالموقف السلبي الحاسم الذي يتمثل فيه موقف المواجهة لهم ،وترك الدفاع عنهم ،ومناصرتهم بأية وسيلة كانت ؛وفي ضوء ذلك ،لا يبيح الإسلام مهنة المحاماة إذا انطلقت في خط الدفاع عن المجرمين .
وقد أكد القرآن هذا الخط في عدة أساليب ،فبدأ بالنهي عن أن يكون المؤمن خصيماً ،أي مدافعاً عن المؤمنين ،لأن الكتاب يرفض الخيانة ،فلا يجوز للمؤمن أن يدافع عنها بالدفاع عن رموزها ،وإلا كان ذلك انحرافاً عن الوقوف عند الحق .واعتبر الخائنين خائنين لأنفسهم ،كما هم خائنون للناس من حولهم ،لأنهم أوقعوا أنفسهم في الهلكة بما مارسوا من الأعمال التي تعرضهم لعذاب الله ،فكيف يجادل الإنسان عن هؤلاء ؟وهل يكون ذلك إلا نوعاً من أنواع مساعدة الإنسان على خيانة نفسه ،بالتمرُّد على إرادة الله ،في الوقت الذي يريد الله للمؤمن أن يساعد العصاة على أنفسهم بهدايتهم إلى سبيل الله في السير على هدى أمره ونهيه ؟ثم تحدثت عن طبيعة العلاقة بين الله وبينهم وبين الخائنين هؤلاء ،فهم من الأشخاص الذين لا يحبهم الله ،{إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً} ،فكيف يمكن للإنسان المسلم أن يحب من لا يحبه الله ،مع أن علامة إيمان المؤمن هي أن يحب من يحبه الله ،ويبغض من يبغضه الله ؛بحيث يكون شعوره السلبي والإيجابي تبعاً لإيمانه ،في ما يوحيه من مشاعر وعواطف ؟!