ويطوف القرآن بالمسلمين في الآفاق الروحية للإيمان التي قد يبتعدون عنها ،في ما يقتربون من أجواء العصبية الجاهلية ؛فهؤلاء الذين اجتمعوا ليلاً ليتداولوا في أمر الخيانة ليبعدوا التهمة عن السارق ويلصقوها بالبريء ،كانوا يحاذرون أن يراهم أحد أو يستمع إليهم ،لأنهم يخشون من الناس على مصالحهم وعلى مكانتهم ،ويخافون من انتقامهم عند انكشاف خطة المؤامرة ،ولم يحسبوا لله حساباً في ذلك كله ،وهو الذي يعلم سرّهم وعلانيتهم ،فكيف يستخفون منه ؟أولا يعيشون الشعور بالحاجة إلى ذلك ،فيلحّ عليهم إلحاحاً شديداً في داخل كيانهم ،ليكتشفوا من خلال ذلك أن الإنسان لا يتمكن من أن يستخفي من الله ،مما يدفعه إلى أن لا يفعل ما لا يرضاه ،لأنه مطّلع عليه .{وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً} فلا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء .وهذا ما ينبغي للإنسان المؤمن أن ينفتح عليه في حياته ،من الإحساس العميق بحضور الله في نفسه ،بالمستوى الذي يشعر بإحاطته به من كل جانب ،ليمنعه ذلك من المعصية في ما يفعله أو ما يتركه .