تربية المسلم على التعاطي مع واقعة الموت
ثم ما معنى الارتباط بالدنيا ؟هل هو لتحصيل المتع والشهوات الحسية ؟فما عند الله خير ،وذلك لما أعدّه للمتقين جزاءً على أعمالهم الصالحة التي يثيبهم الله عليها من دون أن ينقص منها شيئاً ،فإذا وازن المؤمنون بين المتاع القليل في الدنيا ،وبين ألطاف الله في الآخرة ،فسيجدون أن متاع الدنيا لا يمثل شيئاً .
وينطلق القرآن بأسلوب آخر يناقش فيه هذا الخوف من الموت الذي يدفعهم إلى الامتناع عن القتال ،فإن ذلك لا ينجيهم من الموت ،{أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} فقد يموت الإنسان وهو في برج مشيّد ،وقد ينجو منه وهو في قلب المعركة ،لأن الإنسان مرهون بأجله الذي لا يتقدم ولا يتأخر ولو مقدار لحظة .ثم يتحدث عن بعض ملامح النظرة التي ينظر فيها البعض من هؤلاء أو من غيرهم إلى الرسول ؛{وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ} إذا واجهوا الحسنة في ما يحصلون عليه من راحة ورزق وأمن ومتع ورغبات ،فإنهم ينسبون ذلك إلى الله ،أما إذا واجهتهم السيئة ،{وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} في ما يلاقون من مرض أو بلاء أو فتنة أو مشكلة صغيرة أو كبيرة{يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ} ،فإنهم ينسبونها إلى الرسول من باب التطيّر والتشاؤم ؛كما حدثنا الله عن بعض هذه النماذج في قوله تعالى:{قَالُواْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ* قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَءِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} [ يس:1819] ولكن الله يرد عليهم هذه النظرة{قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ} إنّ كل الأحداث التي تطرأ على حياة الإنسان ،ترجع إلى الأسباب الطبيعية التي أودعها الله في الكون ،سواء منها الأسباب الكونية ،أو الأسباب العادية في حياة الإنسان النفسية والاجتماعية والجسدية ،وبذلك يرجع الأمر كله إلى الله وذلك ما يسمى بالسيئة أو الحسنة ،من دون أن يلغي ذلك إرادة الإنسان واختياره ،لأن ذلك من قبيل الأسباب العادية ،ولذلك فإن من الممكن أن ينسب العمل إليه بالذات بواسطة مباشرته له ،ولكن هؤلاء القوم{لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} ،لأنهم لا يعرفون طبيعة الأشياء ،من خلال ما أودعه الله فيها من سننه الكونية والاجتماعية .