وقد حدثنا الله عن بعض النماذج التي تظهر الاستعداد للطاعة ما دامت في حضرة الرسول ،ولكنها لم تكن مخلصة في ذلك ،{وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ} فإذا خرجت من عنده واجتمعت بعناصر السوء التي توافقها في الرأي من المنافقين ،دبّرت خطط المعصية ومخالفة الرسول في ما يقوله ،{وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ} ولم يلتفتوا وهم يخفون خططهم آمنين من اطلاع أحد عليهم ،أن الله يكتب كل ما يبيتونه للمسلمين من الخطط الشريرة فيعرفها لرسوله الذي يواجه خططهم بالحكمة والتدبير الدقيق .وقد كانت المصلحة الإسلامية تفرض على النبي( ص ) أن لا يفضحهم ويكشف أمرهم ،{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} لأن المرحلة قد لا تسمح بالدخول معهم في عملية صراع داخلي قد يسيء إلى توازن المجتمع ،في الوقت الذي يخوض فيه المسلمون الحرب والصراع ضد المشركين واليهود ؛ولذلك كان الأمر الإلهي بالإعراض عنهم ،مع إعداد الخطط الكفيلة لتحذير المسلمين منهم ومتابعة المسيرة من دون خوف ووجل ،والتوكل على الله من أجل الشعور الداخلي بالثقة من كل الطوارىء المفاجئة التي لم تدخل في الحسبان .وإذا توكل الإنسان على الله ،فإنه يكفيه من كل شيء ولا يحوجه إلى غيره{وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} .
وقد نستوحي من هذه الآية ،كيف يمكن أن يمارس العاملون للإسلام دعوتهم إلى الله وجهادهم في سبيله بمرونة وحكمة ،فلا يصطدمون بالفئات القلقة التي قد تتواجد في داخل الساحة الإسلامية ،إذا كانت الظروف الموضوعية لا تسمح بالأمر بسبب التعقيدات الصعبة الناشئة عن ذلك ،مما قد يدخل الدعوة الإسلامية في معارك جانبية قد تترك أثرها السلبي على المسيرة الإسلامية الطويلة ؛ولكن ليس معنى ذلك إهمال الموقف كلياً والاستهانة بهذه العناصر ،بل المفروض الوعي والحذر وتطويق كل تحركاتهم ومواجهتهم بأسلوبٍ هادىٍء بعيد عن كل ألوان الإثارة المتعبة ،حتى إذا تبدلت الظروف ،أمكن لنا حل مشاكلهم معهم بالطريقة القوية الحاسمة .