مناسبة النزول
جاء في الدر المنثور: قال: أخرج ابن راهويه ،والبخاري في الوحدانيات ،وابن السكن وابن منده ،والباوردي في معرفة الصحابة ،والطبراني وأبو نعيم وابن مردويه ،عن ابن أبزى عن أبيه ،قال: «خطب رسول الله( ص ) فحمد الله وأثنى عليه ،ثُمَّ ذكر طوائف من المسلمين فأثنى عليهم خيراً ،ثُمَّ قال: ما بال أقوام لا يعلّمون جيرانهم ولا يفقهونهم ولا يفطنونهم ولا يأمرونهم ولا ينهونهم ،وما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتفطنون ،والَّذي نفسي بيده ،ليعلّمنّ جيرانه أو ليتفقهنّ أو ليتفطّنّن ،أو لأعالجنّهم بالعقوبة في دار الدنيا ،ثُمَّ نزل فدخل بيته ،فقال أصحاب رسول الله( ص ): من يعني بهذا الكلام ؟قالوا: ما نعلم يعني بهذا الكلام إلاَّ الأشعريين فقهاء علماء ،ولهم جيران من أهل المياه جفاة جهلة ،فاجتمع جماعة من الأشعريين ،فدخلوا على النبيّ( ص ) فقال: ذكرت طوائف من المسلمين بخير وذكرتنا بشرّ فما بالنا ؟فقال رسول الله( ص ): لتعلّمُنَّ جيرانكم ولتفقهُنّهم ولتأمرُنّهم ولتنهونَّهم أو لأعاجلَنَّكم بالعقوبة في دار الدنيا ،فقالوا: يا رسول الله ،فأمَّا إذن فأمهلنا سنة ،ففي سنة ما نعلّمه ويتعلمون ،فأمهلهم سنة ،ثُمَّ قرأ رسول الله( ص ):{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْرَائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} »[ 1] .
وجاء في تفسير العياشي عن محمَّد بن الهيثم التميمي عن أبي عبد الله( ع ) في قوله:{كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} قال:"أمَّا إنَّهم لم يكونوا يدخلون مداخلهم ولا يجالسون مجالسهم ولكن كانوا إذا لقوهم ضحكوا في وجوههم وَأنِسوا بهم "[ 2] .
عدم النهي عن المنكر يؤدي إلى خراب المجتمعات
{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} لقد عاش داود( ع ) مع بني إسرائيل من أجل أن يدعوهم إلى الله ،وعاش عيسى( ع ) معهم ،من أجل أن يعلّمهم الكتاب والحكمة ،ويخرجهم من الظلمات إلى النور ،في طريق الله .وكانت النتيجة لديهما ،أنَّهما واجها جمهوراً كبيراً من الكافرين الَّذين وقفوا ضدهما وضد رسالتهما موقف جحود وكفران ،وحاولا قيادتهم إلى الحوار فلم يقبلوا ،وأطلقا فيهم دعوةً إلى الحق فلم يستجيبوا ،وأقاما عليهم الحجّة فلم يهتدوا .ولم تنفع كل التجارب معهم ،فلم يكن منهما إلاَّ أن أطلقا اللعنة في وجوههم ،وطلبا من الله أن يبعدهم عن رحمته لأنَّهم لا يستحقونها ،{ذلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} بسبب معاصيهم المتكرّرة ،وعدوانهم على عباد الله ،وعلى رسله ورسالته ،