ثُمَّ يُوضح القرآن خط الفكرة ،فإنَّ ولاية الكافرين الّتي تُمثِّل إزالة كل الحواجز الفكريّة والنفسيّة والعمليّة بينهم ،لا يُمكن أن تلتقي في خط واحد ،مع الإيمان بالله وبرسوله وبالوحي الَّذي أنزل عليه ،لأنَّ الإيمان بذلك كلّه يعني العمل على بناء الشخصيّة على الإخلاص لله وللرّسول ،والاندماج في أجواء الوحي ومخططاته ،وبالتالي ،تحديد المواقف من الأشياء والأشخاص على هذا الأساس من خلال ما تُمثِّله قضايا الإيمان من قيمةٍ روحيّةٍ وفكريّةٍ وعمليّة للإنسان وللحياة ،فلا مجال للانسجام مع الخطوط المضادّة ،أو مع الأشخاص الَّذين يتحرّكون في اتجاه هذه الخطوط ،لأنَّ ذلك يعني الرضى بالخط المنحرف ،في الموقف أو في الشخص ،أو التهوين من خطورته ،بالفصل بين الذات والفكر والموقف .فإذا كان التوافق في هذه الأمور كانت الولاية والمودّة ،وإذا كان التنافر والاختلاف فيها ،كانت المواجهة والمضادّة في المواقف والعلاقات ،وهذا ما ينبغي لناكمسلمين وكعاملين للإسلامأن نواجهه حين نواجه أمر العلاقات بيننا وبين الآخرين الَّذين نختلف معهم في أمر العقيدة والسياسة والاجتماع .فقد نلاحظ أنَّ هناك دعواتٍ في الساحة ،تعمل على تبسيط المسألة وتخفيف خطرها ،وتحويلها إلى حالةٍ هامشيّةٍ لا دخل لها في حركة العلاقات الفكريّة والشعوريّة والعمليّة ،لأنَّ طبيعة العلاقاتكما يرى هؤلاءتتحرّك من قاعدة العلاقات الذاتيّة الحميمة ،بعيداً عن كل الخلافات في القضايا الفكريّة ،هذا ما نشاهده في التقاء الفئات المختلفة في الكفر على أكثر من صعيدٍ في حركة العلاقات الذاتيّة من دون أن يحدث ذلك أي خلل في العقيدة أو في الانتماء .
إنَّ مثل هذه الدعوات قد تخلط بين العلاقات الإنسانيّة المتمثِّلة بشؤون الحياة وأوضاعها الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة ،وبين العلاقات الإنسانيّة الخاصة المتمثِّلة في ما يتخذه النَّاس من مواقف وأفكار ،في آفاقها النفسيّة والفكريّة ،ما يفرض نوعاً من الحدود الداخليّة والخارجيّة الّتي تحمي الأفكار والمواقف من الميوعة والذوبان في غمار العلاقات العاطفيّة الحميمة .إنَّ المودّة تقف في الجانب الثاني ،أمَّا المعاملة فتقف في الجانب الأول ،وذلك هو الخط الفاصل بين علاقات المودّة وعلاقات المعاملة ،حيث يرفض الإسلام الأولى بين الكافرين والمؤمنين ،ويوافق على الثانية بين مختلف الفئات ،وذلك هو الإيحاء القرآني للمرحلة العمليّة الّتي يخوضها المسلمون في مواجهة الكفر بجميع أشكاله وألوانه ،لتبدأ المجابهة الرافضة من الداخل لكلّ ما هو كفرٌ أو حركةٌ في اتجاه قوّة الكفر ،لتتحول إلى موقفٍ حاسمٍ في ساحة الصراع .