{فَأَوْفُواْ}: الإيفاء: إتمام الشيء إلى حدّ الحق فيه .
{الْكَيْلَ}: تقدير الشيء بالمكيال حتى يظهر مقداره .
{وَالْمِيزَانَ}: تقدير الشيء بالميزان .
{وَلاَ تَبْخَسُواْ}: البخس: النقص عن الحدّ الذي يوجبه الحق .
{تُفْسِدُواْ}: الإفساد: إخراج الشيء إلى حدٍّ لا يُنتفع به بدلاً من حال يُنتفع بها .وضدّه الإصلاح .
شعيب وقومه
وهذا نبيٌّ آخر أرسله الله إلى قومه لهدايتهم ومعالجة بعض الانحرافات الاقتصادية في تجارتهم مع الناس ،التي كانت تتمثل بالتطفيف في المكيال والميزان ،فيأخذون لأنفسهم ما يستحقّونه ،ويعطون الناس أقل مما يستحقون .وننفتح في قصة شعيب وحواره مع قومه على موقفٍ أكثر قوةً من موقف لوط ،فقد كانت لشعيب عشيرةٌ قويةٌ يُحسب لها حساب ،وهذا ما جعل أسلوبهفي خطابه لقومهيتّصف بالقوّة التي لا تبتعد عن الجوّ الرسالي الوديع الذي يحاولمن خلالهأن يجرّهم إلى دعوته بالأسلوب الهادىء الليِّن .ونلاحظفي هذا الحوارأنه استطاع أن يجلب إلى دعوته الجماعات المضطهدة والمستضعفة من قومه ،ليواجه الجماعات الغنيّة المستكبرة .وربما يكون هذا منطلقاً من طبيعة الدعوة التي دعا إليها ،والمفاهيم التي بشر بها ؛فإن التطفيف نوع من أنواع الاستغلال الاقتصادي الذي يتميّز به الأغنياء المستكبرون ،حيث يعيشون مشاعر الأنانية وسلوكها ،ممّا يجعلهم يفكّرون بالاستغلال عندما يشترون فيأخذون الزيادة لأنفسهم ،ويفكّرون به عندما يبيعون ،فيستغلون حاجة الآخرين إليهم لينقصوا من حقّهم بما يشاؤون .
ونحاول الآن الدخول في أجواء هذا الحوار القصصي القرآني ،لنتمثل حركة الرسالة في حياة هذا النبي المصلح مع خصوم الرسالة والرسول .
الحق والإصلاح هما أساس كل خير
{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} فذلك هو السبيل لاستقامة المنهج في الحياة وارتكازه على قاعدةٍ ثابتةٍ في النفس وفي الحياة .{قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} في ما أوضحه الله لكم من دلائل قدرته ومظاهر عظمته وصدق رسوله ،{فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ} واجعلوه تاماً من دون زيادةٍ ولا نقصان ،{وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ} فتنقصوهم حقّهم وتحرموهم منه ،{وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} فقد أرادها الله ساحةً للتوازن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي على كل صعيدٍ ،بما يجعل من الإخلال به إفساداً للأرض ،بعد أن أصلحها الله في الخط التكويني للوجود ،وفي الخطّ الفكري للعقيدة والتشريع ،وهذا ما يؤكّد شموليّة التخطيط الإلهي لحركة الإنسان في الحياة منذ القِدَم في ما يتطلّع إليه الدين من إقامة الكون على أساس الإصلاح في كل شيء{ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} ،فإن ذلك هو سبيل الفلاح في الدنيا ،لأنه يصلح أمر الفرد والمجتمع في القضايا العامة والخاصة ،وفي الآخرة ،لأنه يؤدّي إلى الحصول على رضا الله في نطاق السير على الخط الإيماني الذي يضمن ذلك كله .