/م105
المفردات:
فرقناه: نزلناه مفرقا على حسب الحوادث .وقيل: فرقنا فيه الحق من الباطل .
على مكث: أي: على مهل .وقرئ على مكث بفتح الميم ،وكلاهما بمعنى التؤدة والتأني .
التفسير:
106-{وقرآنا فرقناه لتقرأه على النّاس على مكث ونزّلناه تنزيلا ...}
{وقرآنا{[514]} فرقناه} أي: جعلنا نزوله مفرقا منجما ،وقرئ: فرقناه بالتشديد{[515]} .
قال ابن عباس: لم ينزل في يومين أو ثلاثة بل كان بين أوله وآخره عشرون سنة{[516]} .
{لتقرأه على الناس على مكث} أي: على مهل وتؤدة وتثبت ،فإنه أيسر للحفظ وأعون على الفهم .
{ونزّلناه تنزيلا} أي: على حسب المصالح والحوادث ،فقد كان القرآن كتاب الحياة يعالج أخطاءها ،ويقوم عوجها ،ويجيب على أسئلة السائلين ،ويرد على شبه المخالفين ،وإذا تتبعنا أسباب نزول القرآن ؛ظهرت الحكمة واضحة ،في تفريق القرآن ونزوله نجوما ؛لأن النفوس إذا وقعت في مشكلة ؛تشوفت إلى آيات تحلها ،وتأخير الآيات إلى وقت الحاجة ؛يجعل النفوس تتعلق بها وتتذكر قصتها كلما قرأتها .
فمشروعية التيمم ،وحد اللعان ،وحد القذف ،وحد الزنا ،وتحريم الخمر ،وتحريم التخلف عن الجهاد ،وتحريم التبني ،وكثير من الأحكام المشابهة ،كانت قضايا ومشاكل في المجتمع تحتاج إلى حل وبيان فكانت آيات القرآن تنزل إثر كل مشكلة توضح حكمها ،وتبين حلها .
ففي كتب الصحاح: أن المسلمين تأخروا في بعض الغزوات ؛ليبحثوا عن عقد للسيدة عائشة ،ولم يكن معهم ماء ؛فنزلت آية التيمم .
وأن رجلا اتهم زوجته بالزنا ؛فنزلت آية اللعان .
واتهم بعض الناس السيدة عائشة بالزنا مع صفوان ابن المعطل ؛فنزل حد القذف .
وسكر بعض المسلمين وأساء للآخرين ؛فنزل تحريم الخمر .
وتخلف ثلاثة من المسلمين عن غزوة تبوك ؛فنزلت سورة التوبة تفضح المنافقين وتلوم المتخلفين .
وكان التبني معروفا في الجاهلية وصدر الإسلام ،ثم حرم القرآن التبني وأمر الله رسوله أن يتزوج مطلقة ابنه المتبني ،ليشرع بنفسه للناس إبطال هذه العادة .
وهكذا نجد أن نزول القرآن مفرقا في عشرين سنة كان فرصة مناسبة ؛ليشرع الأحكام ،ويبين الحدود ،ويوضح الحلال والحرام ،وكان الصحابة يتسابقون إلى العمل بالآيات قبل أن يحفظوها ،فطبقوا القرآن سلوكا وهديا ،وتعبدا وعملا ،مع عنايتهم به قراءة وحفظا .
أخرج البيهقي في الشعب عن عمر رضي الله عنه أنه قال: تعلموا القرآن خمس آيات ،خمس آيات ،فإن جبريل عليه السلام كان ينزل خمسا خمسا ،وكذلك أخرج ابن عساكر عن أبي سعيد الخدري ،والمراد: أن الغالب كذلك ؛فقد صح أنه نزل بأكثر من ذلك وبأقل منه .