/م105
109-{ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا} .
ويخر هؤلاء الذين أوتوا العلم على الوجوه سجدا ،باكين من خوف الله ،ويزيدهم ما في القرآن من المواعظ والعبر خشوعا وخضوعا لأمر الله وطاعته .
إنه مشهد مصور لحالة شعورية غامرة ،يرسم تأثير هذا القرآن في القلوب المتفتحة لاستقبال فيضه ؛العارفة بطبيعته وقيمته بسبب ما أوتيت من العلم قبله{[519]} .
قال النسفي: ومعنى الخرور للذقن: السقوط على الوجه كما خص الذقن ،لأن أقرب الأشياء من وجهه إلى الأرض عند السجود الدقن .
وفي حاشية الجمل: فالخرور الأول للسجود ،والآخر لشدة البكاء .أو الأول: في حالة سماع القرآن أو قراءته ،والثاني: في سائر الحالات{[520]} أو المراد: أن السجود يتكرر منهم في حالات متعددة ؛خشوعا لله واعترافا بفضله .
تنبيه:
قال القاسمي:
دل نعت هؤلاء ومدحهم بخرورهم باكين ؛على استحباب البكاء والتخشع ،فإن كل ما حمد فيه من النعوت والصفات التي وصف الله تعالى بها من أحبه من عباده ،يلزم الاتصاف بها ،كما أن ما ذم منها من مقته منهم ،يجب اجتنابه{[521]} .
وقد ذكر الإمام الغزالي في ( الإحياء ): أن من آداب التلاوة البكاء مستحب مع القراءة ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا ){[522]} .وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إذا قرأتم سجدة سبحان ؛فلا تجلوا بالسجود حتى تبكوا ،فإن لم تبك عين أحدكم ؛فليبك قلبه ،وإنما طريق تكلف البكاء أن يحضر قلبه الحزن .فمن الحزن ينشأ البكاء ،ووجه إحضار الحزن ،أن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد ،والمواثيق والعهود ،ثم يتأمل تقصيره في أوامره وزواجره ،فيحزن لا محالة ويبكي .فإن لم يحضره ؛حزن وبكاء ،كما يحضر أرباب القلوب الصافية ،فليبك على فقد الحزن والبكاء فإن ذلك أعظم المصائب .
وقد روى البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس منا من لم يتغن بالقرآن ){[523]} .
وروى الترمذي عن ابن عباس: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( عينان لا تمسهما النار ،عين بكت من خشية الله تعالى ،وعين باتت تحرس في سبيل الله تعالى ){[524]} .
وأخرج مسلم والنسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ،ولا اجتمع على عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنم ){[525]} .