/م78
82-{وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} .
قال الفخر الرازي: ولفضه من هنا ليس للتبعيض بل هي للجنس ،كقوله تعالى:{فاجتنبوا الرجس من الأوثان} .
والمعنى: وننزل من هذا الجنس الذي هو قرآن ما هو شفاء ،فجميع القرآن شفاء للمؤمنين{[475]} .
واختلف أهل العلم في معنى كونه شفاء على قولين:
الأول: أنه شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها ،وذهاب الريب وكشف الغطاء على الأمور الدالة على الله سبحانه .
الثاني: أنه شفاء من الأمراض الظاهرة ،بالرقي والتعود ونحو ذلك ،والتبرك بقراءته يدفع كثيرا من الأدواء والأسقام ،يدل عليه ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في فاتحة الكتاب: ( وما يدريك أنها رقية ؟!){[476]} .
ولا مانع من حمل الشفاء على معنيين من باب عموم المجاز أو من باب حمل المشترك على معنييه{[477]} .{ورحمة للمؤمنين} .
قال ابن كثير:
أي: يذهب أمراض القلوب ،من شك ،ونفاق ،وشرك ،وزيغ ،وميل ،فالقرآن يشفي من ذلك كله ،وهو أيضا رحمة يحصل فيها الإيمان ،والحكمة ،وطلب الخير ،والرغبة فيه{[478]} .
وقال القنوجي:
{رحمة للمؤمنين} ؛لما فيه من العلوم النافعة المشتملة على ما فيه صلاح الدنيا والدين ،ولما في تلاوته وتدبره من الأجر العظيم ،الذي يكون سببا لرحمة الله سبحانه ،ومغفرته ورضوانه{[479]} .
وقال الطبري:
{ورحمة للمؤمنين} ؛لأن المؤمنين يعملون بما فيه من فرائض الله ،ويحلون حلاله ويحرمون حرامه ،فيدخلهم بذلك الجنة وينجيهم من عذابه ،فهو لهم رحمة ونعمة من الله أنعم بها عليهم .
{ولا يزيد الظالمين إلا خسارا} ؛لأن البدن غير النقي كلما غذوته ؛زدته شرا ،فلا يزال سماع القرآن يزيد المشركين غيظا وحنقا ،ويدعوهم ذلك إلى ارتكاب الأعمال القبيحة{[480]} .
فالظالمون قد ظلموا أنفسهم ،وأعرضوا عن الهدى ،وكلما سمعوا القرآن ؛ازدادوا بغيا وعنادا وكبرا قال تعالى:{وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ...} ( النمل: 14 ) .
وجزاء عنادهم وبغيهم ،طبع الله على قلوبهم ،وهم في الدنيا محرومون من هدى القرآن ،فهم خاسرون .وفي الآخرة معذبون بكفرهم ولجاجهم في الطغيان ،فهم خاسرون .
قال تعالى:{قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد} .( فصلت: 44 ) .
وقال سبحانه:{وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون .وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون} .( التوبة: 125 ،124 ) .
قال قتادة: في قوله تعالى:{وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة} إذا سمعه المؤمن ؛انتفع به وحفظه ووعاه{ولا يزيد الظالمين إلا خسارا} .أي: لا ينتفعون به ،ولا يحفظونه ولا يعونه ،فإن الله جعل هذا القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين .1 ه .
تنبيه:
1- في تفسير الفخر الرازي تفسير مسهب لهذه الآية خلاصته: أن القرآن شفاء من الأمراض الروحانية وشفاء أيضا من الأمراض الجسمانية .
2- قال الإمام ابن القيم في ( زاد المعاد ) في بحث الأدوية والأغذية المفردة التي جاءت على لسانه صلى الله عليه وسلم في حرف القاف ( قرآن ): قال الله تعالى:{وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} .والصحيح أن من ههنا لبيان الجنس ،لا للتبعيض ،وقال تعالى:{يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور} ؛فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية ،وأدواء الدنيا والآخرة ،وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به ،وإذا أحسن العليل التداوي به ووضعه على دائه ،بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم ،واستيفاء شروطه ؛لم يقاومه الداء أبدا .وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء ،الذي لو أنزل على الجبال لصدعها ،أو على الأرض لقطعها ؟!فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان ،إلا وفي القرآن سبيل للدلالة على دوائه ،وسببه والحمية منه ،لمن رزقه الله فهما في كتابه ..وقد علم أن الأرواح متى قويت ،وقويت النفس والطبيعة ؛تعاونا على دفع الداء وقهره .
وقد أسهب ابن القيم أيضا في كتاب ( إغاثة اللهفان ) في بيان تضمن القرآن لأدوية القلب ،وعلاجه من جميع أمراضه .