/م78
79 - فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ .
أعطى الله سليمان الحكمة والفهم ،وألهمه حكما يجمع بين العدل من جهة ؛وبين الرحمة والعطف والبناء الهادف ؛الذي يرعى الأطراف كلها من جهة أخرى .
وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا .
إن داود وسليمان كليهما أعطاه الله الحكم والعلم ،أي: حكمة ومعرفة بالقضاء والحكم ،لكنه اختص سليمان بسعة الفهم ؛والتصور الأوسع ،وهذا لا يطعن في داود وحكمه ؛لأن الفهم منة من الله ،قال تعالى: يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب .( البقرة: 269 ) .
وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ .
كان داود ذا صوت حنون ،جميل الصوت ،حاضر القلب ؛فكان إذا قرأ الزبور أو سبح الله ؛تجاوب معه كل ما حوله ؛فالجبال تسبح بتسبيحه ؛والطير تسبح بتسبيحه .
وكنا فاعلين .وكان هذا بفعلنا وقدرتنا ؛حيث جعلنا ذلك معجزة لداود عليه السلام ؛أن تسبح الجبال معه ؛وأن يردد الطير تسبيحه ؛قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ .( سبأ: 10 ) .
وكان هذا من فضل الله عليه ؛أن ترجع وتردد الجبال معه التسبيح ؛وكذلك الطير ينطق بمثل ما ينطق به ؛قال تعالى: اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ .( ص: 17 – 19 ) .
قال ابن كثير:
وذلك لطيب صوته بتلاوة الزبور ؛وكان إذا ترنم به تقف الطير في الهواء فتجاوبه ،وترد عليه الجبال تأويبا ؛ولهذا لما مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أبي موسى الأشعري ،وهو يتلو القرآن من الليل ،وكان له صوت طيب ؛فوقف واستمع إليه ؛وقال: لقد أوتي أبو موسى مزمارا من مزامير آل داود )25 .
ونظير الآية قوله تعالى: وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ...( الإسراء: 44 ) .