/م78
81 - وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ .
الريح العاصف: الشديدة الهبوب .
إلى الأرض التي باركنا فيها: هي أرض الشام .
أي: وسخرنا لسليمان الريح عاصفة ،وهذه من نعم الله على سليمان أن ذلل له الريح العاصفة أي: المدمرة ،التي تعصف بما تمر عليه وتدمره .
وقد وصف الله تعالى هذه الريح بأنها سهلة هينة مريحة ؛في موضع آخر فقال: فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ .( ص: 36 ) .
قال المفسرون:
فهذه الريح قوية وعاصفة في حد ذاتها ؛لكن إذا أمرها سليمان بأمر تحولت إلى طائعة سهلة منقادة لينة ورخاء ،أو أنها حينا عاصفة ،وحينا رخاء وهي مطيعة لسليمان ؛وكان سليمان قد دعا الله قائلا:
قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ .( ص: 35 – 39 ) .
والخلاصة:
أن الله ذلل الريح لسليمان عليه السلام ،فكان يتحرك مع جنوده وجيوشه وأتباعه ،ويأمر الريح أن تنقلهم إلى أي مكان يريد الذهاب إليه ،ثم يطلب من الريح أن تعيده إلى المكان الذي يريد أن يرجع إليه ؛فتطيعه الريح وتجري بأمره .
وكان ملك سليمان في بلاد الشام ؛فقد حكم داود عليه السلام فلسطين 70 سنة ،وحكمها سليمان 70 سنة ،وبعد ذلك دب الخلاف بين أبناء سليمان وتقسموا الملك ثم دالت دولتهم .
أما العرب المسلمون فقد فتحوا فلسطين وبيت المقدس سنة 15 ه ومكثوا فيها أكثر من ألف عام ؛ولم يخرجوا من بيت المقدس إلا أيام الحروب الصليبية ؛ثم عادوا إليه بقيادة صلاح الدين الأيوبي ،وظلوا هناك إلى أن كانت حرب سنة 1967م فأخرجوا من ديارهم بغير حق .
وأملنا في الله أن يعودوا إلى بيت المقدس بفضل الله .
ونعود إلى تقرير معنى الآية فنقول:
سخرنا لسليمان الريح قوية ؛تسير بأمره وتنقله هو وأتباعه في الصباح وتعود بهم في المساء ؛حيث ترجع بهم إلى أرض الشام التي بارك الله فيها ؛بوجود الأنبياء والزروع والثمار ؛ووجود بيت المقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين .
وكنا بكل شيء عالمين .
أي: أن علمنا ممتد إلى كل كبيرة وصغيرة ،ونعرف الحكمة فيما نفعل ،ونعرف أن سليمان أهل لهذه النعمة ؛فنحن لنا حكمة في ابتلاء الناس بالخير أو بالشر ؛كما قال سبحانه: ونبلوكم بالشر والخير فتنة ...( الأنبياء: 35 ) .