{وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون( 82 ) ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون( 83 ) حتى إذا جاءوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أما ذا كنتم تعملون( 84 ) ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون( 85 ) ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون( 86 )} .
المفردات:
وقع القول: قرب وقوع ما وعدوا به من العذاب بعد البعث .
دابة: هي دابة كبيرة يخرجها الله قرب قيام الساعة .
تكلمهم: تكلم الناس ،وتنطق بكلام الناس ،من الكلام .
تكلمهم: قراءة بفتح التاء وسكون الكاف وكسر اللام ،من الكلْم وهو الجرح .
/م82
التفسير:
82-{وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} .
{وإذا وقع القول عليهم ..}
أي: إذا اقترب قيام الساعة ،وتحقيق كلمة الله في عذاب الكافرين ،والإحسان إلى المحسنين ؛أخرجنا لهم دابة عظيمة في هيكلها تخرج من أرض مكة ،وتكلّم الناس بكلام فصيح واضح مبين ؛تقول للكافرين: لقد كنتم لا تؤمنون بالقرآن ،ولا بدلائل قدرة الله في الأنفس والآفاق ،وها أنتم تشاهدون القيامة وأهوالها وعلاماتها ،ومن هذه العلامات ما يأتي:
1- طلوع الشمس من مغربها .
2- خروج دابة من الأرض تكلم الناس بكلام واضح مفهوم ،تقول:{أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} .
3-ظهور المسيح الدجال ،كما ورد في الأحاديث الصحيحة ،روى الإمام مسلم في صحيحه ،عن أبي هريرة ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ،أو كسبت في إيمانها خيرا: طلوع الشمس من مغربها ،والدجّال ،ودابة الأرض22 .
ما يلحق بتفسير الآية:
1- الدابة معجزة أو آية جعلها الله من علامات قيام الساعة ،وهي من العلامات الكبرى التي جعلها الله من علامات القيامة .
2- من عادة الناس أن الدواب لا تنطق ،ولا تتكلم ،فجعل الله نطقها بكلام واضح بين دليلا على نهاية الدنيا وقرب قيام الساعة .
3- القول في قوله تعالى:{وإذا وقع القول عليهم ..} يراد به تحقيق ما وعد به الله ،مثل:{ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} [ السجدة: 13] .
4- ورد في القرآن وفي الأحاديث الصحيحة ،ما يفيد أن خروج الدابة من علامات الساعة ،وفي هذا ما يكفي المسلم للاعتقاد به ،ولا يحتاج بعد ذلك إلى السؤال عن أوصاف هذه الدابة ،فقد وردت آثار غير صحيحة في وصفها لا يعوّل عليها ،وحسبنا أن نعرف أنها حيوان أعجم ضخم الجثة يتكلم قائلا:{أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} .أي: لا يصدقون بعظيم آيات الله ،وعظيم قدرته .
5- ورد في صحيح مسلم بسنده ،عن عبد الله بن عمر ،أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها ،وخروج الدابة على الناس ضحى ،وأيتهما كانت قبل صاحبتها ،فالأخرى على إثرها قريبا "23 .
6- وروى الإمام مسلم ،وأهل السنن ،والإمام أحمد ،عن حذيفة بن أسيد الغفاري ،قال: أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة ونحن نتذاكر أمر الساعة ،فقال: ( لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها ،والدخان ،والدابة ،وخروج يأجوج ومأجوج ،وخروج عيسى ابن مريم عليه السلام ،والدجال ،وثلاثة خسوف: خسف بالمغرب ،وخسف بالمشرق ،وخسف بجزيرة العرب ،ونار تخرج من قعر عدن تسوق-أو تحشر- الناس ،تبيت معهم حيث باتوا ،وتقيل معهم حيث قالوا )24 قال الترمذي: حسن صحيح .
7- روى مسلم في صحيحه ،عن أبي هريرة رضي الله عنه ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بادروا بالأعمال ستا: طلوع الشمس من مغربها ،والدخان ،والدجال ،والدابة ،وخاصة أحدكم ،وأمر العامة )25 .
8- خلاصة معنى الآية ،إذا قرب وقوع ما قلناه على الكافرين من قيام الساعة وعقابهم على كفرهم ،أخرجنا لهم من الأرض دابة عظيمة ،تكلمهم بما يفهمونه عنها فتوبخهم على كفرهم ،وتنعى عليهم أنهم كانوا لا يؤمنون بالله وآياته وبراهينه ،ولا يصدقون بالبعث ولا يستيقنون به ،وقد حان وقت الجزاء العادل في القيامة ،على الإحسان إحسانا وعلى السوء سوءا .
9- قرأ بعض القراء:{وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم ..} بسكون الكاف وكسر اللام من الكلم وهو الجرح ،أي: أن الدابة تجرحهم بكلام جارح ؛عتابا ولوما على عدم الإيمان ،أو تجرحهم جرحا حسيا ،وهذا أمر محتمل ،لكن الآراء السابقة هي المفهوم لأول وهلة من كلام القرآن الكريم والسنة الصحيحة .