قصة قارون ،وغرور المال
{إن قارون كان من قومي موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوأ بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين( 76 ) وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين( 77 ) قال إنما أوتيته على علم عندي أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون( 78 )} .
المفردات:
فبغى عليهم: ظلمهم أو تكبر عليهم .
الكنوز: الأموال المدخرة المحبوسة ،من كنزه بمعنى: ادخره ،وحبسه عن الناس ،ومنه قوله تعالى:{والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} [ التوبة: 34] .
مفاتحه: جمع مفتح"بكسر الميم "وهو المفتاح الذي تفتح به الأغلاق .
لتنوء بالعصبة: العصبة ،الجماعة يتعصب بعضها لبعض ويشد أزره ،ومعنى{لتنوء بالعصبة}: تثقلها ،يقال: ناء به الحمل ،أي: ثقل عليه .
لا تفرح: لا تفرح بدنياك فرحا يذهلك عن أخراك .
الفرحين: الفرحين والفارحين سواء ،والفرح صيغة مبالغة تفيد زيادة الفرح .
/م76
التفسير:
76-{إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة ..}
أفادت كتب التفسير أن قارون كان قريبا لموسى ،فذكرت روايات أنه كان ابن عمه ،وقيل: كان عمه ،وقيل: ابن خالته .
وذكر المفسرون أن قارون كان جميل الصورة ،واسع الثراء ،وكان أحفظ بني إسرائيل للتوراة ،حسن الصوت ،فدخله النفاق كما دخل على السامري .
وقيل: إنه حسد موسى وهارون ،حيث قال: موسى يبلغ الرسالة ،وهارون يشرح التوراة ،وقارون ليس له في الرسالة أدنى نصيب .
والقرآن ليس في حاجة إلى هذه الروايات التي تفتقر إلى قوة السند وصحته ،وحسبنا كتاب الله الذي يفيد أن قارون كان من قوم موسى ،فهو من بني إسرائيل ،ولم يذكر زمن الحادثة ،ولم يبين هل كانت أيام إقامة موسى في مصر قبل خروجه مع بني إسرائيل ،أم كانت أثناء التيه ،أم كانت بعد موسى عليه السلام .
وتفيد روايات أن قارون ساهم في إيذاء موسى ،حيث وعد موسى بإخراج الزكاة ،وذهب ليخرجها فوجدها مقدارا عظيما جدا ،فاحتال على منع الزكاة ،واتفق مع امرأة بغى ،أن تقول: إن موسى زنى بيّ ،وهذا الولد منه ،فأنطق الله الوليد ،وقال: أنا ابن الراعي .
ونحن نقول: حسبنا كتاب الله في تقديم العظة والعبرة ،والقرآن غني عما سواه ،ونحن نريد أن نعرف ماذا قال القرآن الكريم ،فلنتأمل في معنى الآية الكريمة .
إن قارون كان من بني إسرائيل قوم موسى ،فبغى عليهم حيث ظلمهم وتكبر عليهم ،أو منع إخراج الزكاة والمعونة للمستحقين ،وقد أعطيناه من الأموال التي كنزها وحبسها عن المساهمة في إسعاد الناس والتيسير عليهم ،مع كثرة هذه الأموال ،حتى إن مفاتيح هذه الخزائن أو الخزائن نفسها ،يعجز عن حملها عصبة قوية من الرجال الأشداء ،ما بين العشرة والأربعين ،وقد أظهر قارون الفرح والتفاخر بكنوزه ،إذ قال له أتقياء قومه: لا تفرح البطر والكفران ،إن الله لا يحب الفرحين البطرين ،الذين يكفرون ولا يشكرون ،ويتباهون بالمال ويسخرونه لأهوائهم ،ويمنعون نصيب الله منه .