المفردات:
شهيدا: شاهدا على صدق رسالتك ،أو مطلعا بصيرا .
التفسير:
79- مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ...الآية .
قررت الآية السابقة أن كل ما يقع في الكون فهو بإرادة الله العليا ،وقضائه و قدره .
ونحن نؤمن بالقضاء والقدر ،ونؤمن بأن بيد الله الخلق والأمر ،ومع هذا فإن للعبد كسبا واختيارا ،وإرادة محدودة مسئولة .والجمع بين إرادة الله ،وإرادة العبد يحتاج إلى شيء من الانحناء والتسليم .
فبالنسبة لأحداث الكون كلها فهي من عند الله ،وبحكمته وبالنسبة لأعمال الإنسان ،فهو إذا اختار طريق الهدى ؛أعانه الله عليه وسدد خطاه ،وإذا اختار طريق الضلال ؛سلب الله عنه الهدى ،ووكله إلى نفسه فكان هو السبب فيما يصيبه من بلاء في الدنيا أو عذاب في الآخرة .
فالآية الثانية مختلفة عن الآية الأولى:
الآية الأولى: تشير إلى أن كل ما يقع في الكون بإذن الله ،والآية الثانية: تشير إلى أن العبد إذا أطاع الله ؛أيده الله بتوفيقه ،وإذا عصاه وكله الله إلى نفسه .
قال الزمخشري:
ما أصابك .يا إنسان: خطابا عاما من حسنة .أي: من نعمة وإحسان فمن الله .تفضيلا منه وإحسانا وامتنانا وامتحانا .
وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ .أي: من بلية ومصيبة فمن عندك ؛لأنك السبب فيها بما اكتسبت يداك ،وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ .( الشورى:30 )وعن عائشة رضي الله عنها: ''ما من مسلم يصيبه وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها ،حتى انقطاع شسع نعله إلا بذنب وما يعفو الله أكثر''{[22]} .
وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً .أي: رسولا للناس جميعا لست برسول العرب وحدهم أنت رسول العرب والعجم ،كقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ .( سبأ:28 ) وقال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا . ( الأعراف: 158 ) .
وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا .على صدق رسالتك ، وأنك أبلغت ما أنزل الله عليك ،وأديت واجبك أكمل أداء ،بإخلاص ويقين: تبشر الناس وتنذرهم ،والله تعالى خير شهيد على ذلك .
وفي تقرير رسالته صلى الله عليه وسلم تطمين لقلبه وتقوية لعزمه ،كما أن فيه زيادة كبت لهم ،وتأكيد لجهلهم ،وعدم فقههم .