/م1
المفردات:
لا تقدموا: لا تتقدموا ،من قولهم: مقدمة الجيش ،لمن تقدم منهم ،قال أبو عبيدة: العرب تقول: لا تقدِّم بين يدي الإمام ،وبين يدي الأب ،أي: لا تعجل بالأمر دونه ،وقيل: المراد لا تقولوا بخلاف الكتاب والسنة .
التفسير:
1-{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .
طلب الله تعالى من المسلمين توقير الرسول الله صلى الله عليه وسلم ،واحترامه وإتباعه ،وعدم التقدم عليه .
والمعنى:
ولا تسبقوا بأحكامكم أحكام الله ،وأحكام رسوله ،وراقبوا الله إن الله ،{سميع} .لأقوالكم ،{عليم} .بأحوالكم فنحن في حياتنا نقتدي بالكتاب والسنة وعمل الصحابة ،ونجعل أحكام الإسلام سابقة غير مسبوقة ،مقدمة غير متأخرة .
والأصل أن العبد لا يجوز أن يتقدم على سيده ،والخادم لا يجوز أن يتقدم على مخدومه ،فإن ذلك عيب مذموم ،فضرب الله ذلك مثلا لمن يقدم رأيه وحكمه ،على رأى الله وحكمه تعالى ،أي لا تسبقوا بأحكامكم أحكام الله وأحكام رسوله ،واتقوا الله وراقبوه ،إن الله سميع لكل شيء ،عليم بكل شيء ،وفي معنى هذه الآية -أي تقديم حكم الله وحكم رسوله على اجتهاد الإنسان- ورد الحديث الذي رواه أحمد ،وأبو داود ،والترمذي ،عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله إلى اليمن ،وقال له: ( بم تحكم ) ؟،قال: بكتاب الله تعالى ،قال صلى الله عليه وسلم: ( فإن لم تجد ) ؟،قال: بسنة رسوله ،قال صلى الله عليه وسلم: ( فإن لم تجد ) ؟،قال: أجتهد رأيي ،فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر معاذ ،وقال: ( الحمد لله الذي وفق رسول رسوله ،لما يرضي رسول الله )3 .
وهذا يعني أنه أخر رأيه ونظره واجتهاده إلى ما بعد الكتاب والسنة ،ولو قدمه لكان تقديما بين يدي الله ورسوله .
سبب النزول:
اختلف الرواة في سبب نزول هذه الآية ،فقال بعضهم: سببها أنه قدم ركب من بني تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: يا رسول الله أمِّر القعقاع بن معبد ،وقال عمر: أمّر الأقرع بن حابس ،فقال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي ،وقال عمر: ما أردت خلافك ،فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما ،فنزل في ذلك قوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ...} إلى قوله تعالى:{ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم} .( الحجرات: 5 ) ،رواه البخاري ،عن محمد بن الصباح ،وقيل في سبب النزول أسباب أخرى ،ويمكن الجمع بينها ،بأنها نزلت بعد وقوع هذه الأسباب جميعها ،فتكون من باب تعدد الأسباب والمنزل واحد .
ويقول بعض العلماء: لعلها نزلت من غير سبب ،لتكون دستورا للمسلمين في أعمالهم وأقوالهم ،فيلتزموا بهدي القرآن ،وبتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم ،ويتخذوه القدوة والمثل الأعلى .
قال تعالى:{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} .( الأحزاب: 21 ) .