102- قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين .أي قد سأل مثل هذه المسائل المنهى عنها ،قوم من قبلكم فأجيبوا ،ثم لم يعلموا ،فأصبحوا بها كافرين ،لأنهم استثقلوا الإجابة عما سألوا عنه ،وتركوا العمل بما تطلعوا إلى معرفته .
قال الألوسي: ( واختلف في تعيين القوم: فعن ابن عباس هم قوم عيسى سألوه إنزال مائدة ثم كفروا بها ،وقيل: هم قوم صالح – عليه السلام – سألوه الناقة ثم عقروها وكفروا بها ،وقيل: هم بنوا إسرائيل كانوا يسألون أنبياءهم عن أشياء فإذا أخبروهم كذبوهم ...)
من تفسير ابن كثير:
قال ابن كثير: ظاهر الآية النهي عن السؤال عن الأشياء التي إذا علم بها الشخص ساءته فالأولى الإعراض عنها ..
فقد روى الإمام أحمد ومسلم والنسائي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( ذرونى ما تركتكم ،فإنما هلك من كان من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ،وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه ) ( 27 ) .
وروى الدارقطني وأبو نعيم عن أبي ثعلبة الخشنى .أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
( إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها ،وحد حدودا فلا تعتدوها ،ورحم أشياء فلا تقربوها ،وترك أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها ( 28 ) .
من تفسير القاسمي:
قال القاسمي: رحمه الله تعالى عقب تفسيره للآيتين ما يأتي: رأيت في موافقات الإمام الشاطبي في هذا الموضع مبحثا جليلا قال فيه:
الإكثار من الأسئلة مذموم ،والدليل عليه النقل المستفيض من الكتاب والسنة وكلام السلف الصالح ...وهذه مواضع يكره السؤال فيها:
1- السؤال عما لا يقع في الدين ،كسؤال عبد الله بن حذافة من أبي يا رسول الله ؟فأجابه أبوك حذافة .
2- أن يسأل عن صعاب المسائل وشرارها ،كما جاء في سنن أبي داود في النهي عن الأغلوطات ( 29 ) وهي المسائل يغالط بها العلماء ليزلوا فيها فيهيج بذلك شر وفتنة .
3- أن يبلغ بالسؤال إلى حد التكلف والتعمق ،وعلى ذلك يدل ما أخرجه مالك في الموطأ عن يحيى ابن عبد الرحمن ابن حاطب أن عمر ابن الخطاب خرج في ركب ،فيهم عمرو بن العاص ،حتى وردوا حوضا ،فقال عمرو بن العاص ،يا صاحب الحوض ،هل ترد حوضك السباع ؟
فقال عمر يا صاحب الحوض ،لا تخبرنا ،فإنا نرد على السباع وترد علينا ( 30 ) .
4- السؤال عن المتشابهات ،وعلى ذلك يدل قوله تعالى: فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه .
وعن عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه عرضا للخصومات أسرع التنقل .
5- السؤال عما شجر بين السلف الصالح ،وقد سئل عمر ابن عبد العزيز عن قتال أهل صفين فقال:
تلك دماء كف الله عنها يدي ،فلا أحب أن ألطخ بها لساني .
6- سؤال التعنت والإفحام وطلب الغلبة عند الخصام وقد ذم القرآن هذا اللون من الناس فقال: وهو ألد الخصام .( البقرة: 204 ) ،وقال سبحانه: بل هم قوم خصمون .( الزخرف: 58 ) .وفي الحديث: ( إن من أبغض الرجال إلى الله تعالى الألد الخصم .
هذه جملة من المواضع التي يكره السؤال فيها ويقاس عليها ما سواها وليس النهي فيها واحدا ،بل فيها ما تشتد كراهته ،ومنها ما يخف ومنها ما يحرم ،ومنها ما يكون محل اجتهاد .
والنهي في الآية مقيد بما لا تدعو إليه الحاجة من الأسئلة لأن الأمر الذي تدعوا إليه الحاجة قد أذن الله بالسؤال عنه فقال: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون .( الأنبياء: 7 ) .وفي الحديث: ( قاتلهم الله ،هلا سألوا إذا لم يعلموا ،فإنما شفاء الجهل بالسؤال ( 31 ) .