79- كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ...الآية
أي: أن من مظاهر عصيان الكافرين من بني إسرائيل أنهم أهملوا واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،بل كانوا يرون المنكرات ترتكب فيسكتون عليها بدون استنكار مع قدرتهم على منعها من قبل وقوعها وهذا شر ما تصاب به الأمم في حاضرها ومستقبلها: أن تفشو فيها المنكرات والرذائل فلا تجد من يستطيع تغييرها وإزالتها .
وقد أخذ العلماء من هذه الآية وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛لأنهما قوام الامم وسياج الدين .
روى الشيخان عن أبي سعيد قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ،فإن لم يستطع فبلسانه ،فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان "{[308]} .
وقد مدح الله أمة الإسلام بخصيصة الأمر بالمعروف والنهي عن المكر ،قال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ .( آل عمران: 110 ) .
وروى الإمام أحمد والترمذي ،وأبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي ،نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا ،فجالسهم في مجالسهم أو في أسواقهم وواكلوهم وشاربوهم ،فضرب الله قلوب بعظهم ببعض ،ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون"{[309]} .
وكان صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس- فقال: لا والذي نفسي بيده ،حتى تأطروهم على الحق أطرأ "{[310]} .
أي: تحملوهم على الحق حملا .
وفي رواية لأبي داود وابن ماجه والترمذي:"والله لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ،ثم يلعنكم كما لعنهم"{[311]} .
لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ .واللام في لبئس لام القسم .
أي: أقسم لبئس ما كانوا يفعلون ، وهو ارتكاب المعاصى والعدوان وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
قال صاحب الكشاف:
قوله: لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ للتعجب من سوء فعلهم مؤكدا لذلك بالقسم فيا حسرة على المسلمين في إعراضهم عن باب التناهي عن المناكير ، وقلة عبثهم به ،كأنه ليس من ملة الإسلام في شيء مع ما يتلون من كلام الله وما فيه من المبالغات في هذه الباب .