المفردات:
قسيسين: جمع قسيس ؛وهو رئيس ديني مسيحي .
ورهبانا: الرهبان ؛جمع راهب ،وهو المتبتل: المنقطع للعبادة وحرمان النفس من الاستمتاع بالزوج والولد .
التفسير:
82- لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ....الآية
أسباب النزول:
تعددت الروايات في سبب نزول هذه الآية ولكنها تلتقى في أن بعض طوائف النصارى ،استمعوا إلى القرآن الكريم فتأثرت به نفوسهم وفاضت أعينهم بالدمع وأعلنوا الإسلام .
ويذهب جمهور المفسرين إلى أنها نزلت في النجاشى ملك الحبشة ومن معه من القسيسين والرهبان .وجميع الروايات: تدل على أنه أسلم وهو ومن معه . وكتب السيرة تفيد أن قيصر ملك الروم تلقى دعوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في رفق وأناة .كذلك تلقى المقوقس عظيم القبط بمصر دعوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مودة ولين وأرسل إلى رسول الله بعض الهدايا .
رأى الطبري: ساق الطبري عدة روايات في سبب نزول هذه الآيات ،منها ما يفيد أنها نزلت بعد أن أسلم النجاشى ثم عقب الطبرى على الروايات بقوله:
والصواب في ذلك من القول عندي: أن الله تعالى وصف صفة قوم قالوا: إنا نصارى ،أن نبي الله يجدهم أقرب الناس مودة لأهل الإيمان بالله ورسوله ،ولم يسم لنا أسماءهم ،وقد يجوز أن يكون أريد بذلك: أصحاب النجاشى ،ويجوز أن يكون أريد بذلك: قوم كانوا على شريعة عيسى فأدركهم الإسلام فأسلموا ،لما سمعوا القرآن وعرفوا أنه الحق ،ولم يستكبروا عنه ( 1 ) .
لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ..........
أقسم لك يا محمد بأنك عند مخالطتك للناس ودعوتهم إلى الدين الحق ،ستجد أشدهم عداوة لك ولأتباعك فريقين منهم: وهو اليهود والذين أشركوا .
وعداوة المشركين للمسلمين معروفة السبب ؛فالمشرك لا يؤمن بالله الواحد المنزه عن النظير والمثيل ،والمؤمن يؤمن بالله الواحد الخالق الرازق ،فلا عجب أن يحمل المشركون للمسلمين العداء ؛لاختلاف مناهج الإيمان من الأساس .واختلاف تصور الفريقين للألوهية .
إلى جوار أن مشركي مكة كانوا على جانب من الغنى والجاه والسلطان والجبروت و رأوا أن الإسلام يحد من طغيانهم وجبروتهم وما اعتادوه من استعلاء وكبرياء ،وكانوا يرون أن الأغنياء والعظماء أولى بالرسالة والنبوة وقالوا: لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم .( الزخرف: 31 ) .
وقد جاهر كفار مكة بالعداء للإسلام والمسلمين ومازالوا بالمسلمين يعذبونهم ويضطهدونهم حتى أخرجوهم من ديارهم وصادروا أموالهم .
أما اليهود:
فهم أهل كتاب وتوحيد وعقيدة تؤمن بالله واليوم الآخر لكنهم في نفس الوقت أهل حقد وحسد وعناد ؛فقد حقدوا على العرب أن يكون نبيهم من نسل إسماعيل لا من نسل إسحاق .وأعلنوا العداء للإسلام ورسوله .وشنوا على الإسلام الحروب الطاغية بقوة السلاح ،أو بالدسائس والمؤامرات كما عرف عن اليهود قسوة القلب وتحريف التوراة و قتلهم الأنبياء ،وأكلهم أموال الناس بالباطل والإسراف في التمرد والعصيان .
وقد تعرض الإسلام في مكة لعنت المشركين وحربهم وظلمهم حتى حاولوا قتل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو حبسه أو نفيه فأمره الله بالهجرة إلى المدينة ،وقام اليهود بدور بارز في فتنة المؤمنين وإشاعة الأراجيف ،وبث الفرقة في صفوف المسلمين ومن هنا قال القرآن الكريم .
لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا .
لقد كان اليهود أشد الناس عداء للإسلام فحاربوه بالسلاح والكيد والتآمر .ولذلك قدمهم القرآن على الذين أشركوا ،وهم كفار مكة ومن سار على نهجهم .
أما النصارى ،فقد سارعت طائفة منهم لاعتناق الإسلام كما أكرم ملك الحبشة المهاجرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،وحاول المشركون أن يوغروا صدره عليهم ولكنه لم يستجب لهم ،وأكرم المسلمين ،قال تعالى:
ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى .أي: لتجدن يا محمد ،أقرب الناس محبة ومودة لك وللمؤمنين الذين قالوا: إنا نصارى .
أي: الذين زعموا أنهم نصارى من أتباع المسيح وعلى منهج إنجيله فهؤلاء فيهم مودة للإسلام في الجملة ،وفي قلوبهم رأفة ورحمة ؛قال تعالى:
وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية .( الحديد: 27 ) في كتابهم: من ضربك على خدك الأيمن فادر له خدك الأيسر ؛ليس القتال مشروعا في ملتهم .
ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون .ففيهم من يتولى تعليمهم دين المسيح وهم القسس جمع قسيس وقس ،وقد يجمع على قسوس ،وبهذا التعليم والتوجيه والتربية ؛تظل تعاليم السماء ووحى السماء رطبا في نفوسهم .
وفيهم الرهبان وهم جمع راهب وهو العابد ،مشتق من الرهبة وهي الخوف ،كراكب وركبان ،وفارس وفرسان ،ويطلق الرهبان على الواحد وعلى الجمع .
والرهبان هم الزاهدون في الدنيا المتفرغون للعبادة في الصوامع والخرب .
وهذه الفقرة وصفت النصارى بثلاث صفات:
( أ ) العلم .
( ب ) العبادة .
( ت ) التواضع .
فهم لا يتكبرون عن الاستجابة للحق والاستماع إليه ،والبكاء عند سماع القرآن ،والدخول في دين الإسلام .