المفردات:
وإلى مدين أخاهم شعيبا: أي: وأرسلنا إلى مدين أخاهم ( شعيبا ابن ميكيل بن يشخر بن مدين ) .
قد جاءتكم بينة: البينة: الدليل ،ويريد بها هنا المعجزة التي كانت له .
فأوفوا الكيل والميزان: أي: أوفوا الكيل ووزن الميزان ويصح أن يكون الميزان مصدرا بمعنى: الوزن كالميعاد بمعنى: الوعد .
ولا تبخسوا الناس أشياءهم: أي: ولا تنقصوهم حقوقهم .يقال: بخسه حقه يبخسه بخسا أي: نقصه .
ولا تفسدوا: الإفساد: شامل لإفساد نظام المجتمع بالظلم ،وأكل أموال الناس بالباطل ،وإفساد الخلاق ،والآداب بارتكاب الإثم والفواحش ،وإفساد العمران بالجهل وعدم النظام .
في الأرض بعد إصلاحها: إصلاح الأرض: هو إصلاح حال أهلها بالعقائد الصحيحة ،والأعمال الصالحة المزكية للأنفس ،والأعمال المرقية للعمران ،المحسنة لأحوال المعيشة .
/م85
التفسير:
85- وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين .
شعيب يأتي يوم القيامة خطيبا للأنبياء ،فقد كان قوي الحجة بليل اللسان ،حكيم القول ،وهو هنا يدعوهم إلى عبادة الله وحده فهو الإله الحق وليس هناك إله غيره ،فكل ما عداه من الآلهة ،آلهة بغير حق .
ومع شعيب معجزة من الله ،وقد أعطى الله كل نبي معجزة تؤيده وأعطى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وحي السماء ،وهو القرآن الكريم ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم أكثر الأنبياء تابعا يوم القيامة ( 78 ) .
وقد دعا قومه إلى عدد من المكارم ونهاهم عن عدد من المفاسد فدعاهم إلى ما يأتي:
وفاء الكيل والميزان وهذه عادة من أفضل العادات تؤدي إلى ثقة الأمة وتكافلها ،وتطفيف الكيل والميزان يؤدي إلى غضب السماء وفي الحديث الشريف: ( ما طفف قوم المكيال والميزان ؛إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور الحكام ) ( 79 ) .
ولا تبخسوا الناس أشياءهم .
أي: لا تنقصوا الناس شيئا من حقوقهم في بيع أو شراء أو حق مادي أو معنوي .
روى أن قوم شعيب كانوا إذا دخل عليهم الغريب يأخذون دراهمه ،ويقولون: هذه زيوف ،فيقطعونها ،ثم يشترونها منه بالبخس أي: بالنقصان .
وتلمح أن كل نبي دعا إلى توحيد الله ،ثم عالج الأمراض الخلقية في قومه كما عالج لوط الشذوذ الجنسي ،فإن شعيبا عالج تطفيف الكيل والميزان وأنواع الفساد الأخرى التي إذا فشت في أمة ؛قضت عليها و أزالت ملكها وعزها .
ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها .
لقد أصلح الله الأرض ،واستخلف الإنسان فيها لعمارتها ،وأرسل إليه الرسل وأنزل الكتب ودعا سبحانه إلى الخير ونهى عن الشر .
وعقوبة المفسد تكون أشد وأكبر إذا فسد بعد أن رأى بعينه طريق الإصلاح ميسرا معبدا مع من سبقه .
وقال الأستاذ أحمد مصطفى المراغي في تفسير المراغي:
إنه تعالى أصلح حال البشر بنظام الفطرة ،ومكنهم في الأرض بما آتاهم من القوى العقلية وقوة الجوارح ،وبما أودع في خلق الأرض من سنن حكيمة ،وقوانين مستقيمة ،وبما بعث به الرسل من المكملات لنظام الفطرة من آداب وأخلاق ،ونظم في المعاملات والاجتماع ،وبما أرشد إليه المصلحون من العلماء والحكماء ،والذين يأمرون بالقسط ويهدون الناس إلى ما فيه من صلاحهم في دينهم ،والعاملون من الزراع والصناع والتجار أهل الأمانة والاستقامة ،الذين ينفعون الناس في دنياهم ،فعليكم ألا تفسدوا فيها ببغي ،ولا عدوان على الأنفس والأعراض والأخلاق بارتكاب الإثم والفواحش ولا تفسدوا فيها بالفوضى وعدم النظام وبث الخرافات والجهالات التي تقوض نظم المجتمع ،وقد كانوا من المفسدين للدين والدنيا كما يستفاد من هذه الآية وما بعدها ( 80 ) .
ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين .أي: ذلكم الذي تقدم من عبادة الله والوفاء بالكيل والميزان ،وترك البخس والإفساد في الأرض ،خير لكم في الإنسانية ،وحسن الأحدوثة وهو خير لكم في الدنيا والآخرة .إن كنتم مؤمنين بالله ومصدقين برسالتي إليكم .
والبشر لم يصلوا في عصر من العصور إلى ما وصل إليه أهل هذا العصر من العلم بالمنافع والمضار ،ومع هذا فالعلم وحده لم ينفعهم ؛فكثرت الجرائم من قتل وسلب وإفساد وفسق وفجور .
فخير وسيلة للإصلاح هو حسن تربية الناشئة وإقناعهم بمنافع الفضائل كالصدق والأمانة والعدل وإقناعهم بمضار الرذائل ؛لأن الوازع النفسي أقوى من الوازع الخارجي .