/م85
87- وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين .
أي: وإن اختلفتم في رسالتي ،فصرتم فريقين: فريق صدقوا بالذي أرسلت به من إخلاص العبادة لله وترك معاصيه من ظلم الناس وبخسهم في المكاييل والموازيين ،واتبعوني في ذلك .
وجماعة أخرى لم يصدقوني وأصروا على شركهم وإفسادهم .
فاصبروا على قضاء الله الفاصل بيننا وبينكم ،وهو خير من يفصل وأعدل من يقضي ؛لتنزهه عن الباطل والجور .
جاء في فتح البيان للعلامة صديق حسن خان:
وهذا في باب التهديد والوعيد الشديد لهم ،وليس هو من باب الأمر بالصبر على الكفر ،وحكم الله بين الفريقين هو نصر المحقين على المبطلين ( 81 ) ومثله قوله تعالى: فتربصوا إنا معكم متربصون .
( التوبة: 52 ) .
وقال الأستاذ سيد قطب ،في ظلال القرآن:
لقد دعاهم إلى أعدل خطة ،ولقد وقف عند آخر نقطة لا يملك أن يتراجع وراءها خطوة ..نقطة الانتظار والتريث والتعايش بغير أذى ،وترك كل وما اعتنق من دين ،حتى يحكم الله ،وهو خير الحاكمين .
ولكن الطواغيت لا يرضيهم أن يكون للإيمان في الأرض وجود ممثل في جماعة من الناس ،لا تدين للطاغوت ،إن وجود جماعة مسلمة في الأرض ،لا تدين إلا لله ،ولا تعترف بسلطان إلا سلطانه ،ولا تحكم في حياتها شرعا إلا شرعه ،ولا تتبع في حياته منهجا إلا منهجه – إن وجود جماعة مسلمة كهذه يهدد سلطان الطواغيت ،حتى لو انعزلت هذه الجماعة في نفسها ،وتركت الطواغيت لحكم الله حين يأتي موعده .
إن الطاغوت يفرض المعركة فرضا على الجماعة المسلمة ،حتى لو آثرت هي ألا تخوض معه المعركة ،إن وجود الحق في ذاته يزعج الباطل ،وهذا الوجود ذاته هو الذي يفرض عليه المعركة مع الباطل ،إنها سنة الله لابد أن تجرى ( 82 ) .
خاتمة:
يختم الجزء الثامن بهذا المقطع في قصة شعيب مع قومه مدين ،وفي صراع بين الإيمان والكفر ،واعتزاز الكفر بالجبروت والقوة ،وفي النهاية ينصر الله المؤمنين ،ويهلك الكافرين ،وهذه ظاهرة نلمحها في سورة الأعراف ،التي بدأت بإنذار الكافرين ،ثم قدمت دعوة لبني آدم ؛ليحذروا من الشيطان .
ثم قدمت قصص عدد من الرسل مع قومهم ،فذكرت قصص قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب ،وقد شاهدنا هلاك المكذبين ،وانتصار المؤمنين ،وهذه سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا .
وفي هذا القصص عظة وعبرة ،وتثبيت لدعائهم الإيمان ،وإحياء لذكرى المرسلين وجهادهم .
قال تعالى: لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون .( يوسف: 111 ) .
اللهم ،وفقنا للسير على سنن العدل والرشاد .
اللهم ،اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ،وذهاب غمنا وحزننا ،اللهم علمنا منه ما جهلنا وذكرنا منه ما نسينا وارزقنا تلاوته على النحو الذي يرضيك عنا .
اللهم ربنا ،آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
كان الفراغ من هذا الجزء الثامن عشية يوم الخميس 30 ذوالقعدة 1411 ه الموافق 13 يونيو 1999م بجامعة السلطان قابوس بسلطنة عمان .
اللهم ربنا ولك الحمد والشكر حمدا كثيرا طيبا طاهرا مباركا فيه ،كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ،اللهم ،ارزقنا الإخلاص والقبول ،اللهم ،إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين .
******