{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ( البقرة:110 ) .
التفسير:
قوله تعالى:{وأقيموا الصلاة} يعني أدوا الصلاة على وجه الكمال ؛لأن إقامة الشيء جعله قيماً معتدلاً مستقيماً ؛فمعنى{أقيموا الصلاة} أي ائتوا بها كاملة بشروطها ،وواجباتها ،وأركانها ،ومكملاتها .
قوله تعالى:{وآتوا الزكاة} أي أعطوها ؛وهنا حذف المفعول الثاني ؛والتقدير: وآتوا الزكاة مستحقيها ؛و{الزكاة} المفعول الأول ؛ومستحقوها قد بينهم الله في سورة براءة في قوله تعالى:{إنما الصدقات للفقراء ...} إلخ [ التوبة: 60] ..
و "الزكاة "في اللغة النماء ،والزيادة ؛ومنه قولهم:"زكا الزرع "إذا نما ،وزاد ؛وفي الشرع هي دفع مال مخصوص لطائفة مخصوصة تعبداً لله عز وجل ؛وسميت زكاة ؛لأنها تزكي الإنسان ،كما قال الله تعالى:{خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [ التوبة: 103]؛فهي تزكي الإنسان في أخلاقه ،وعقيدته ،وتطهره من الرذائل ؛لأنها تخرجه من حظيرة البخلاء إلى حظيرة الأجواد ،والكرماء ؛وتكفِّر سيئاته ..
قوله تعالى:{وما تقدموا لأنفسكم}؛{ما} شرطية ؛لأنها جزمت فعل الشرط ،وجوابه ..
قوله تعالى:{من خير} يشمل ما يقدمه من المال ،والأعمال ؛وهو بيان للمبهم في اسم الشرط ..
ضعف إلى أضعاف كثيرة ،كما قال تعالى:{مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء} [ البقرة: 261] .
قوله تعالى:{إن الله بما تعملون بصير}؛هذه الجملة مؤكدة ب{إن} مع أن الخطاب ابتدائي ؛إذ إنه لم يوجه إلى متردد ،ولا منكر ؛والخطاب إذا لم يوجه لمنكر ،ولا متردد فإنه يسمى ابتدائياً ؛والابتدائي لا يؤكد ؛لأنه لا حاجة لذلك ؛ولكنه قد يؤكد لا باعتبار حال المخاطب ؛لكن باعتبار أهمية مدلوله ؛فهنا له أهمية عظيمة: أن الله سبحانه وتعالى يخبرنا أنه بكل ما نعمل بصير ؛و{ما} اسم موصول يفيد العموم ؛أي بما نعمل قلبياً ،وبدنياً ؛قولياً ،وفعلياً ؛لأن القلوب لها أعمال كالمحبة ،والخوف ،والرجاء ،والرغبة ،وما أشبه ذلك ؛و{بما تعملون} متعلقة ب{بصير}؛وقدمت عليها لغرضين ؛الأول: مراعاة الفواصل ؛لأن التي قبلها فاصلة بالراء:{قدير} ،وبعدها:{بصير}؛والثاني: من أجل الحصر ؛والحصر هنا وإن كان يقلل من العموم لكنه يفيد الترهيب والترغيب ؛لأنه إذا قيل: أيهما أعظم في التهديد أو الترغيب ،أن نقول: إن الله بصير بكل شيء مما نعمل ،ومما لا نعمل ؛أو أنه بصير بما نعمل فقط ؟
فالجواب: أن الأول أعم ؛والثاني أبلغ في التهديد ،أو الترغيب ؛وهو المناسب هنا ؛كأنه يقول: لو لم يكن الله بصيراً إلا بأعمالكم فإنه كاف في ردعكم ،وامتثالكم ؛و{بصير} ليس من البصر الذي هو الرؤية ؛لكن من البصر الذي بمعنى العلم ؛لأنه أشمل حيث يعم العمل القلبي ،والبدني ؛والعمل القلبي لا يدرك بالرؤية .
الفوائد:
. 1 من فوائد الآية: وجوب إقامة الصلاة ؛والصلاة تشمل الفريضة والنافلة ؛ومن إقامة الفرائض كثرة النوافل ؛لأنه جاء في الحديث{[140]} أن النوافل تكمل بها الفرائض يوم القيامة ؛ما من إنسان إلا وفي فريضته نقص ؛لكن هذه النوافل تكملها ،وترقعها ..
. 2 ومنها: وجوب إيتاء الزكاة .يعني لمستحقيها ...
. 3 ومنها: أن الصلاة أوكد من الزكاة ؛ولهذا يقدمها الله عليها في الذكر ..
. 4 ومنها: أن إقامة الصلاة ،وإيتاء الزكاة من أسباب النصر ؛لأن الله ذكرها بعد قوله:{فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره} [ البقرة: 109]؛وقد جاء ذلك صريحاً في قوله تعالى:{ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز * الذين إن مكنَّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} [ الحج: 40 ،41] ..
. 5 ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يتشاغل بالأهم فالأهم مع الدعوة إلى الله عز وجل ..
. 6 ومنها: أن كل خير يقدمه العبد لربه عز وجل فإنه سيجد ثوابه عنده ..
. 7 ومنها: أن الثواب عام لجميع الأعمال صغيرها ،وكبيرها ؛لقوله تعالى:{من خير}؛فإنها نكرة في سياق الشرط ؛فتفيد العموم ؛فأيّ خير قدمته قليلاً كان ،أو كثيراً ستجد ثوابه ؛قال الرسولصلى الله عليه وسلم:"اتقوا النار ولو بشق تمرة "{[141]} ..
. 8 ومنها: الترغيب في فعل الخير ،حيث إن الإنسان يجد ثوابه عند ربه مدخراً له .وهو أحوج ما يكون إليه ...
. 9 ومنها: أن الإنسان إذا قدم خيراً فإنما يقدمه لنفسه ؛لقوله تعالى:{وما تقدموا لأنفسكم من خير}؛ولهذا ليس له من ماله إلا ما أنفق لله ؛وما أخره فلوارثه ..
. 10 ومنها: عموم علم الله سبحانه وتعالى بكل ما نعمل ..
. 11 ومنها: التحذير من المخالفة ؛لقوله تعالى: ( إن الله بما تعملون بصير )