{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} ( البقرة:112 ) .
التفسير:
قوله تعالى:{بلى}: هذا إبطال للنفي في قولهم:{لن يدخل ...} إلخ ؛وإن كان بعض المفسرين يقول: إن{بلى} هنا بمعنى"بل "؛ولكن نقول:{بلى} هنا حرف جواب تفيد إبطال النفي ؛يعني لما قالوا:{لن يدخل الجنة ...} إلخ قال الله تعالى:{بلى} أي يدخل الجنة من ليس هوداً ،أو نصارى ؛وبينه بقوله تعالى:{من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره}؛{من} شرطية ؛وهي مبتدأ ؛وجواب الشرط قوله تعالى:{فله أجره}؛والمراد ب"الوجه "القصد ،والنية ،والإرادة ؛ "أسلمه لله "أي جعل اتجاهه ،وقصده ،وإرادته خالصاً لله عز وجل ؛وعبر ب"الوجه "لأنه الذي يدل على قصد الإنسان ؛ولهذا يقال: أين كان وجه فلان ؟يعني: أين كان قصده ،واتجاهه ..
وقوله تعالى:{وهو محسن}: الجملة في محل نصب على الحال من فاعل{أسلم}؛يعني: أسلم والحال أنه محسن .أي متبع لشريعة الله ظاهراً ،وباطناً ...
قوله تعالى:{فله أجره} أي ثوابه ؛وشبَّهه بالأجر ؛لأن الله التزم به للعامل ..
قوله تعالى:{عند ربه}: أضاف العندية إليه لفائدتين: .
الفائدة الأولى: أنه عظيم ؛لأن المضاف إلى العظيم عظيم ؛ولهذا جاء في حديث أبي بكر الذي علمه الرسولُصلى الله عليه وسلم إياه أنه قال:"فاغفر لي مغفرة من عندك{[144]} "..
والفائدة الثانية: أن هذا محفوظ غاية الحفظ ،ولن يضيع ؛لأنك لا يمكن أن تجد أحداً أحفظ من الله ؛إذاً فلن يضيع هذا العمل ؛لأنه في أمان غاية الأمان ..
وأضافه إلى وصف الربوبية ليبين كمال عناية الله بالعامل ،وإثابته عليه ؛فالربوبية هنا من الربوبية الخاصة
قوله تعالى:{ولا خوف عليهم} أي فيما يستقبل من أمرهم{ولا هم يحزنون} أي فيما مضى من أمرهم .
الفوائد:
. 1 من فوائد الآية: أن أهل الجنة هم الذين جمعوا بين وصفين ؛الأول: الإخلاص لله ؛لقوله تعالى:{من أسلم وجهه لله}؛والثاني: اتباع شرعه ؛لقوله تعالى:{وهو محسن} ..
. 2 ومنها: أن إخلاص النية وحده لا يكفي في تبرير التعبد لله ؛لقوله تعالى:{وهو محسن}؛وعلى هذا فمن قال: إنه يحب الله ،ويخلص له وهو منحرف في عبادته فإنه لا يدخل في هذه الآية لاختلال شرط الإحسان ..
ويتفرع على هذه الفائدة أن أهل البدع لا ثواب لهم على بدعهم .ولو مع حسن النية .؛لعدم الإحسان الذي هو المتابعة ؛والأجر مشروط بأمرين: الأول: إسلام الوجه لله ؛والثاني: الإحسان ..
. 3 ومن فوائد الآية: الدلالة على الشرطين الأساسيين في العبادة ؛وهما الإخلاص ؛والمتابعة للرسولصلى الله عليه وسلم ..
. 4 ومنها: ثبوت الأجر في الآخرة ،وأن العمل لن يضيع ؛لقوله تعالى: ( فله أجره عندربه )
. 5 ومنها: أن الجزاء من جنس العمل ..
. 6 ومنها: عظم الثواب ؛لإضافته إلى الله في قوله تعالى: ( عند ربه )
. 7 ومنها: انتفاء الخوف ،والحزن لمن تعبد لله سبحانه وتعالى بهذين الوصفين ؛وهما الإخلاص والمتابعة ؛ولهذا قال تعالى:{الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} ( الأنعام: 82 )
. 8 .ومنها: حسن عاقبة المؤمنين بانتفاء الخوف ،والحزن عنهم ؛وغير المؤمنين تُملأ قلوبهم رعباً ،وحزناً ؛قال تعالى:{وتقطعت بهم الأسباب}
[ البقرة: 166] ،وقال تعالى:{كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار} [ البقرة: 167] ،وقال تعالى:{وأنذرهم يوم الحسرة} [ مريم: 39] إلى غير ذلك من الآية الدالة على تحسر هؤلاء الذين لم يهتدوا إلى صراط الحميد ..
. 9 ومن فوائد الآية: الحث على الإخلاص لله سبحانه وتعالى في العبادة ،واتباع الشرع فيها ؛لأن الله إنما أخبرنا بهذا الثواب لمن أخلص ،واتبع الشريعة من أجل أن نقوم بذلك ؛وليس لمجرد الخبر ؛وهكذا يقال في كل ما أخبر الله به من ثواب على طاعة ،أو عقاب على معصية ؛فإنه إنما يراد به الحث على الطاعة ،والزجر عن المعصية ..