ثم بعد هذا الميثاق ،والإقرار به ،والشهادة عليه{أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم}؛و{هؤلاء} منادى حذف منه حرف النداء .أي: يا هؤلاء ؛وليست خبر المبتدأ ؛و{أنتم}: مبتدأ خبره جملة:{تقتلون}؛والخطاب لمن كان في عهد الرسولصلى الله عليه وسلم ؛وإنما وجه إليهم ؛لأنهم من الأمة التي فعلت ذلك ،ورضوا به ..
وقوله تعالى:{تقتلون أنفسكم} أي يقتل بعضكم بعضاً ؛{وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم} أي تجلونهم عن الديار ؛وهذا وقع بين طوائف اليهود قرب بعثة النبي صلى الله عليه وسلم حيث قتل بعضهم بعضاً ،وأخرج بعضهم بعضاً من ديارهم ..
قوله تعالى:{تظاهرون} بتخفيف الظاء ؛وفيها قراءة أخرى:{تظّاهرون} بتشديد الظاء ؛وأصله: تتظاهرون ؛ولكن أبدلت التاء ظاءً ،ثم أدغمت بالظاء الأصلية ؛و{تظاهرون} أي تعالَون ؛لأن الظهور معناه العلوّ ،كما قال الله تعالى:{هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله} [ الصف: 9] يعني ليعليه ؛وسمي العلوّ ظهوراً: من الظهر ؛لأن ظهر الحيوان أعلاه ؛وقيل:{تظاهرون} أي تعينون من يعتدي على بعضكم في عدوانه ..
قوله تعالى:{بالإثم} أي بالمعصية ؛{والعدوان} أي الاعتداء على الغير بغير حق ؛فكل عدوان معصية ؛وليست كل معصية عدواناً .إلا على النفس: فالرجل الذي يشرب الخمر عاصٍ ،وآثم ؛والرجل الذي يقتل معصوماً هذا آثم ،ومعتد ؛والذي يخرجه من بلده آثم ،ومعتد ؛ولهذا قال تعالى:{تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان}؛فهؤلاء بعد ما أخذ عليهم الميثاق مع الإقرار ،والشهادة لم يقوموا به ؛أخرجوا أنفسهم من ديارهم ،وتظاهروا عليهم بالإثم ،والعدوان ..
قوله تعالى:{وإن يأتوكم} أي يجيئون إليكم ؛{أسارى}: جمع أسير ؛وتجمع أيضاً على أسرى ،كما في قوله تعالى:{يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى} [ الأنفال: 70]؛والأسير هو الذي استولى عليه عدوه ؛ولا يلزم أن يأسره بالحبل ؛لكن الغالب أنه يؤسر به ؛لئلا يهرب ؛و{تفادوهم} أي تفكوهم من الأسر بفداء ؛وفي قراءة ( تفدوهم )
قوله تعالى:{وهو محرم عليكم إخراجهم} يعني: تفدون المأسورين وهو محرم عليكم إخراجهم من ديارهم ؛فأنتم لم تقوموا بالإيمان بالكتاب كله ؛ولهذا قال الله تعالى:{أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض}؛والاستفهام هنا للإنكار ،والتوبيخ ؛والفاء في قوله تعالى:{أفتؤمنون} عاطفة ؛وسبق الكلام على مثل ذلك ؛أعني وقوع العاطف بعد همزة الاستفهام{[118]}؛ووجه كونهم يؤمنون ببعض الكتاب ،ويكفرون ببعض: أنهم كفروا بما نهوا عنه من سفك الدماء ،وإخراج أنفسهم من ديارهم ؛وآمنوا بفدائهم الأسرى ؛والذي يعبد الله على هذه الطريق لم يعبد الله حقيقة ؛وإنما عبد هواه ؛فإذا صار الحكم الشرعي يناسبه قال: آخذ به ؛وإذا كان لا يناسبه راوغ عنه بأنواع التحريف ،والتماس الأعذار ..
قوله تعالى:{فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة}؛ "ما "نافية ؛والجزاء ،والمجازاة ،والمعاقبة معناها واحد ؛أو متقارب ؛ومعنى"الجزاء ": إثابة العامل على عمله ؛والمعنى: ما ثوابكم على عملكم هذا إلا خزي في الحياة الدنيا ؛و"الخزي "معناه الذلّ ..
قوله تعالى:{ويوم القيامة} أي يوم البعث ؛وسمي بذلك ؛لأن الناس يقومون فيه من قبورهم لرب العالمين ؛ولأنه يقوم فيه الأشهاد ؛ولأنه يقام فيه العدل ؛و{يوم القيامة} ظرف متعلق ب{يردون} أي يرجعون من ذلّ الدنيا ،وخزيها ؛{إلى أشد العذاب} أي أعظمه ؛و{العذاب}: العقوبة ..
قوله تعالى:{وما الله بغافل}: هذه صفة سلبية .أي نفى الله سبحانه وتعالى عن نفسه صفة الغفلة ؛وذلك لكمال علمه ،ومراقبته ؛و{عما تعملون}: بالتاء ؛وفيها قراءة:{يعملون}: بالياء ..
/خ86