{ قل يا أيها الناس إن كنتم في شك في ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين 104} .
قد بين سبحانه أن المشركين في قبضته ثم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجعل نفسه أسوة في الإيمان .
الخطاب لأهل مكة ومن يكون مثلهم كافة ، ولذا نادى سبحانه{ يا أيها الناس} والنداء للبعيد ، لبعد نفوسهم عن نفسه صلى الله عليه وسلم ومجافاتهم للحق وهو يتبعه .
{ إن كنتم في شك من ديني} إن كنتم في ريب مع ما قدمت لكم من براهين وأدلة قاطعة على الدين الذي أؤمن به و أعتقده لأنه الحق في ذاته والعقول تتلقى ما فيه بالقبول .
إن كنتم كذلك فلا تطمعوا أن أكون مثلكم أحيد عن الحق وأجافيه ، وأعبد مثلكم الذين تعبدون من دون الله وهي الأوثان ، وعبر عنها بما يدل على العقل بكلمة{ الذين} مجاراة لتفكيرهم إذ يعدونها من العقلاء ويعبدها كبراؤهم من المشركين والضالين .
وفي مجاراة الضال من غير اعتناق لما ضل به أفضل تنبيه ، وحمل له على التفكير .
{ تعبدون من دون الله} في هذا دليل وبيان للسبب الذي دعاه صلى الله عليه وسلم لئلا يعبدها وهي أنها غير الله الذي لا يعبد إلا هو وحده لا شريك له .
ولقد صرح صلى الله عليه وسلم بمن يعبده في قوله تعالى:{ ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم} والاستدراك؛ لنفي أن أوثانهم تحيي اوتميت ، وهو يتضمن إثبات عبادة الله وحده لا شريك له متجاوزا عباداتهم مبتعدا عنها ، وفي الكلمة القرآنية{ الذي يتوفاكم} إشارة إلى استحقاقه للعبادة لأنه الذي يتوفى الأنفس حين موتها فهو يحيي ويميت وهم يرون ذلك ويشاهدونه .
وقد ذكر سبحانه الوفاة ولم يذكر الإحياء؛ لأن الوفاة لا تكون إلا للحي فذكرها يتضمن ذكر للإحياء ، وإشارة إلى أنهم ليسوا مخلدين وأنهم ضعفاء يموتون ، وذكر الموت يذهب بغرورهم وفي ذهابه تقريب لهم إلى الإيمان ، كما أن آلهتهم التي لا تضر ولا تنفع ، لا تميت ولا تحيي .
{ وأمرت أن أكون من المؤمنين} جاء ذكر الأمر ولم يذكر الآمر سبحانه وتعالى الذي يعرفون أنه الخالق وحده ؛ لأنه حاضر في النفس دائما ؛ لأن الأمر من الله يكون معه أمر العقل والإدراك المستقيم ، والبرهان الصادق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فالأمر إذا جاء من الله الخالق الواحد الأحد جاء من العقل المدرك وجاء من الآيات البينات .
وقوله تعالى:{ أن أكون من المؤمنين} فيه{ أن} مصدرية ، والأمر بالكينونة بهذه الصفة يفيد أن يكون مندمجا بها في المؤمنين في جمعهم الطاهر البعيد عن الوثنية .