{ وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين 105} .
بعد أمر الاندماج وتضافر صفوف المؤمنين ، أمر نفسي في قوله تعالى:{ وأن أقم وجهك} .
قوله تعالى:{ وأن أقم} معطوف على قوله:{ وأمرت أن أكون من المؤمنين} الذي جاء في الآية السابقة ، وجاء بصيغة الأمر من الله تعالى ومن آياته البينات الدالة على وحدانيته واستحقاقه للعبادة وحده ، وكلمة:{ وأن}مصدرية هي وما بعدها مصدر ، أي أمرت بالقيام لله وحده ، وفي قوله تعالى:{ وجهك}إشارة إلى الاتجاه إلى الله تعالى بنفسه كلها لا يكون فيه شيء لغير الله ، فالوجه كناية عن الذات كلها ، فيكون حبه وبغضه لله تعالى ، كما قال صلى الله عليه وسلم:"لا يؤمن أحدكم حتى يحب الشيء لا يحبه إلا لله تعالى"{[1306]} .
وقوله تعالى:{ حنيفا} معناه مستقيما في اتجاهه بلا انحراف ولا اعوجاج ولا ميل لباطل أبدا .
ثم صرح سبحانه ببطلان الشرك وأنه منهي عنه في قوله تعالى:{ ولا تكونن من المشركين} فإنك إذا أمرت بأن نكون من المؤمنين فقد نهيت عن أن تكونمن المشركين ، وقوله تعالى:{ ولا تكونن من المشركين} معطوف على قوله تعالى:{ وأن أقم وجهك للدين حنيفا} .
وهكذا كان النهي عن الشرك بعد الأمر بالإيمان وإقامة الوجه لله بلا ميل ، ذلك لأن الشرك يدخل إلى النفس من مسارب شيطانية كثيرة يحسبها الناس صغائر وهي كبائر ، فالمرآة في العبادات شرك ، والخضوع للحكام والأمراء في معاصيهم شرك ، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"من تصدق يرائي فقد أشرك ، ومن صلى يرائي فقد أشرك"{[1307]} .
وقال تعالى:{ فويل للمصلين 4 الذين هم عن صلاتهم ساهون 5 الذين هم يراءون 6 ويمنعون الماعون 7}( الماعون ) .
وقد كان تأكيد النهي عن الشرك بنون التوكيد الثقيلة وقد عطف على ذلك قوله تعالى: