{ وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين 103} .
( الواو ) واصلة هذه الجملة بسابقتها ، وهي تشير إلى أنه مع كثرة الأدلة التي توجب الإيمان وتضافرها فإن أكثر الناس ليسوا بمؤمنين ، وما المراد بالناس ، هم كل من يشملهم اسم الناس من العرب وعجم ، وبيض وسود ، وصفر وحمر ؟ أم المراد أهل مكة ، ومن يشبههم من المشركين .
وعلى أن المراد بالناس أهل مكة ، وما أكثر الناس ولو حرصت على إيمانهم بمؤمنين لك ومسلمين بهذه الأدلة ، إلى حين ، حتى تصير كلمة الله هي العليا ، فإنه بعد مكة صار أكثر الناس مؤمنين ، وكان منهم أبطال الجهاد والإمرة في الجيوش ، فكان منهم أمثال خالد بن الوليد ، وعكرمة ابن أبي جهل ، فيكون النفي ، وإن كان ظاهره العموم فإنه مقيد بالزمان ، فإن شمل عموم المكان لا يشمل عموم الأزمان .
وإن أردنا الناس جميعا عربا عجما ، فإن الحقائق الواقعية أن أكثر الناس لا يؤمنون ، فالنصارى المثلثون والبوذيون غير الموحدين ، والبراهمة الكافرون ، أضعاف المسلمين ، فالآية صادقة .
ونحن نرى أن الناس هم مشركو مكة ، لقوله تعالى:{ ولو حرصت} فإن هذا يدل على أن الناس هم الذين كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يعاصرهم ، ويرجو إيمانهم ، ويحرص عليه ، حتى قال الله تعالى:{ إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء . . . .56} ( القصص ) .
وقوله تعالى:{ ولو حرصت} تدل على رغبة النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى قال الله تعالى:{ لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين 3}( الشعراء ) .
وقوله{ بمؤمنين} الباء لتأكيد النفي ، وقد نفى الله سبحانه وتعالى عنهم وصف الإيمان الذي يوجب عليهم الخضوع والتسليم ؛ وذلك لأن النفوس قسمان نفس تؤمن بالحق وتذعن له إذا جاءها دليله ، وهي التي خلصت من أدران الفساد ، ومطامع الشيطان ، وقليل ما هم ، ونفس درنت بالفساد ، والعناد ، وجمحت بها الأهواء والشهوات ، فتحكم فيها الشيطان ، وهذه لا تؤمن ، ولا يقنعها إلا مقامع من حديد ، والحديد فيه بأس شديد ومنافع الناس ، وهؤلاء تكون حربهم لتمكين غيرهم من حرية الرأي ثم الإيمان ، كأمثال أبي لهب وأبي جهل ، والوليد بن المغيرة ، وغيرهم من لهاميم{[1339]} قريش الذين كانو يؤذون المؤمنين ، ويفتنونهم عن دينهم الذي ارتضوا ، ويسخرون منهم ، سخر الله منهم .
وإن هذه الدعوة إلى الله التي يقوم بها محمد صلى الله تعالى عليه وسلم هي تبليغ من الله لا يريد بها ملكا ، ولا سلطانا ، ولا رياسة ، ولا مالا ، ولا أي أجر من الأجور التي اعتاد الناس أخذها في دعاياتهم ، ولذا قال تعالى: