أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون 107 قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين 108 وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا فلا تعقلون 109 حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين 110 لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون111
إن من يخدعه الشيطان يكون في لهو عن مستقبله يستغرقه حاضره اللاعب اللاهي ، ولا يتخذ من الماضي لغيره أو له عبرة يتعرف بها المستقبل ، بل هو ساه في لهو لا يفكر في أمر مستقبله ، كأنه أمنه واستقر على ما يجيء به ، ولذا قال تعالى في المشركين الذين استغرقهم حاضرهم وما هم فيه:{ أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله}( الفاء ) مقدمة عن تأخير ؛ لأن الاستفهام له الصدارة دائما ، أو الهمزة داخلة على فعل مناسب محذوف دل عليه ما بعده ، ألهوا وأشركوا وعبثوا{ أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله} ، أي أي غاشية من الغواشي التي تكون من عذاب ، فتعمهم من فوقهم ومن أسفل منهم ، وكأنها ثياب تغشاهم وتعمهم ، وتكون سابغة عليهم ، ولهم في ذلك العبر من الأمم العربية التي كفروا بأنعم الله فجاءتها ريح صرصر عاتية ، أو جعل الله تعالى عاليها سافلها أو دمر الله عليهم ، كما قال تعالى فيهم:{ أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون 45 أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين 46 أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم 47}( النحل ) .
{ أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون} ، إما أن تأتيهم نقمة تخصهم لكفرهم وغيهم وفسادهم في الأرض ، وإما أن تأتيهم القاضية ، وهي ساعة القيامة ، وسمي يوم القيامة ساعة ، لأنه يتم بعد غمضة عين وانتباهتها ، وفي هذا إشارة إلى أن أعمال الكافرين أعمال من يظن الحياة الدنيا دائمة ، ولا يترقب يوم القيامة وما وراءه ، وقوله تعالى:{ وهم لا يشعرون} بإقبالها ، وقوله:{ بغتة} ‘إشارة إلى أنها تفجؤهم من حيث لا يحتسبون ولا يتوقعون ، بل هم في غيهم مستمرون .
وإن الله تعالى أمر نبيه بأن يدعوهم إلى الحق غير مبال بإنكارهم وعنادهم ، وإنه مستمر في دعوته لا يني عنها أبدا .