{ قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر وإني لأظنك يا في فرعون مثبورا ( 102 )} .
ضمير الفاعل يعود إليه ؛ لأنه المتحدث عنه في الآيات التي أعطيها{ لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر} ( التاء ) ضمير المخاطب بالفتح على قراءة الأكثرين{[1450]} ، وفيه تأكيد موسى لفرعون أنه علم أنه ما أنزل هذه الآيات إلا رب السموات والأرض بصائر ، أي آيات مبصرة ، وبصائر جمع بصيرة ، أي من شأنها أن تبصر من له بصيرة ينظر فيها بعين قلبه متذكرا متدبرا مؤمنا مذعنا غير متمرد ، وقد يقال:كيف يعلمها وينكرها كافر به وبأنعمه ؟ والجواب عن ذلك أنه علم ولم يذعن لقوله تعالى:{ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم . . .( 14 )} [ النمل] ، من شأنها أن تلقى باليقين في نفس كل من يراها ، ولكن ألقت في نفوسهم بالجحود ، والجحود يزداد قوة كلما قويت أسباب العلم .
وقرأن علي بن أبي طالب علمت بضم التاء على أنها للمتكلم ، والمعنى على هذه القراءة لقد علمت أنا بأنها نزلت من رب السموات ، والبصائر منيرة للحق ، ومعجزات مثبتة للحق ، وحسبي الله تعالى شاهدا بها ، وأما أنت يا فرعون فقد قدمنا الحجة ، ولك أن تؤمن ، وإن كفرت فالإثم عليك ، ولذا ختم موسى عليه السلام بقوله:{ وإني لأظنك يا فرعون مثبورا} ، أي هالكا وملعونا وناقص الإدراك ؛ والثبور الهلاك والمنع من الخير ، يقال ثبره الله تعالى يثبره ثبرا ، أي أهلكه ومنعه .
وهنا نلاحظ أن قوله:{ وإني لأظنك} المراد بالظن العلم المحقق ، وعبر عن العلم بالظن مجاراة لما جاء عن فرعون ، وقد أكد هذا العلم أولا ب ( إن ) ، وثانيا ب ( اللام ) ، وذلك بالقسم .
ويلاحظ أنه ناداه باسمه لأنه إذا كان فرعون قد استعلى بجبروته فموسى قد أعلاه الله تعالى بمقام الرسالة ، فحق له أن يخاطبه باسمه الصريح ، وألاحظ أن فراعنة هذا الزمان الذين مات آخرهم قريبا كان يظن نفسه أكبر .