ثم قال تعالى في آل بني إسرائيل:
{ وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ( 104 )} .
أي بعد أن نجاهم من فرعون إذ خرجوا من البحر ناجين ، وغرق هو وجيشه الذي يسيطر به ، ويقول لقومه بقوته:{. . .ما علمت لكم من إله غيري . . .( 38 )} [ القصص] مغترا باغترارهم ، مستقويا بضلالهم ، يقول قلنا لهم بلسان الحال والواقع من بعده{ اسكنوا الأرض} والأرض هنا أهي أرض مصر ، ومصر ومن يحكمهم فرعون بعد أن زال هو وجنوده ، وصاروا عبرة للمعتبرين أم هو جنس الأرض ؟ .
إننا نميل إلى أرض مصر ، لعلهم دخلوها مستباحة لهم ثم عادوا طالبين الأرض ؛ لأن ظاهر الآيات في سورة القصص يفيد ذلك ، إذ يقول الله تعالى:{ إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين ( 4 ) ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ( 5 ) ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ( 6 )} [ القصص] ، وهذا الفساد لبني إسرائيل وأهل مصر وملأ فرعون ، والخلق أجمعين لأمد محدود ، وهو يوم الآخرة ، ولذا قال تعالى:{ فإذا جاء وعد الآخرة} وهو الميعاد الذي تنتهي به هذه الدنيا ، ويجئ وعد الآخرة{ جئنا بكم لفيفا} ، أي مختلطين من أشتات شتى سود وبيض وصفر وحمر ، وحاكم ومحكوم ، وطاغ وعادل ، فاللفيف ما اجتمع من الناس من قبائل شتى ، أي يجئ الأذلاء والطلقاء ، والأعزاء والكرماء ، وكل يقوم في مقام ، ويحاسبون بميزان الحق الذي لا شطط فيه ، ولا نقص ولا بخس ، فأما من كان قد جاء بالخير فله الحسنى ، وأما من جاء بالأخرى فله عذابه مقيم .