وقد حذر الله تعالى نبيه من هذه الاستجابة بقوله تعالى:
{ إذ لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا ( 25 )} .
{ إذا} ، أي كان منك أنك ركنت إليهم ، وجرك هذا إلى الاستجابة لهم{ لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات} اللام جواب{ إذا} ، أذاقناك عذابا هو ضعف عذاب الحياة بعجزك عن التبليغ والخزي ، والهوان والذلة فيكون عذابا مضاعفا يكون معه الخزي والهوان وهذا ضعف عذاب الحياة ، أما ضعف الممات فهو أن العذاب يكون يوم القيامة مضاعفا ، والعذاب يكون على مقدار العلم ومقدار ما أوتى من بيان وأي علم أعظم من علم النبوة ، وأي آيات أعظم من تأييد الحق ، وإن العذاب يكبر بكبر من وقع في سببه .
ولقد قال الزمخشري في هذا المقام:في ذكر الكيدودة وتقلبها مع إضافة العذاب الشديد المضاعف في الدارين دليل بين على أن القبيح يعظم قبحه بمقدار عظم شأن فاعله وارتفاع منزلته ، وفيه دليل على أن أدنى مداهنة للغواة مضادة لله تعالى ، وخروج عن ولايته وسبب موجب لغضبه ونكاله ، فعلى المؤمن إذا تلا هذه الآية أن يجثو عندها ويتدبرها فهي جديرة بالتدبير وأن يستشعر الناضر فيها الخشية .
وإنه إذا كان قد ذكر القرآن الكريم أنه كاد يركن ، فليس معنى النص يفيد أنه ركن ، وقدر ذكر الله عقابا مضاعفا للركون لا لقرب الركون ، فمعنى{ إذا لأذقناك . . .} ، أي إذا ركنت أذقناك ، وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يمكن أن يكون منه ركون ، وهي تحذير لأمته من أن يخطوا مع الظالمين وأن يركنوا إليهم ، كما قال تعالى:{ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون ( 113 )} [ هود] .
ولقد قال تعالى محذرا محمدا وأمته:{ ثم لا تجد لك علينا نصيرا} ، العطف ب{ ثم} بعد النصرة إذا كان منه الركون ، وقال:{ علينا} ، أي ليس لك علينا أن ننصرك إنما نتركك لمن ركنت إليهم ، وإن لك تحذير للأمة من أن تركن لظالم قط ، أو تقع تحت إغوائه ، وأنهم كانوا يحاولون إخراج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة ، ولذا قال تعالى:
{ وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا ( 76 )} .