وبعد ذكر الله تعالى الفرائض ، أشار سبحانه وتعالى إلى النوافل فقال:
{ ومن الليل فتجهد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ( 79 )}
من هنا للتبعيض ، والفاء عاطفة على فعل محذوف وتقدير الكلام قم جزءا من الليل فتجهد به نافلة{ عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} ، أي رجاء أن يبعثك ربك مقاما محمودا ، والتهجد معناه قطع الليل في العبادة وخاصة الصلاة ، وقالوا:إنه سلب الهجوم أي النوم فمادة تفعل تأتي أحيانا بمعنى سلب الفعل ، فالتهجد سلب الهجوم وهو النوم والاستراحة كالتأثم سلب الإثم أو إبعاده ، والتحرج إبعاد الحرج إلى آخر أمثال هذه الألفاظ .
والمقام المحمود هو المقام الذي يحمد قائمه ، وهو مقام العبادة ، وهو النسبة للنبي صلى الله عليه وسلم مقام الشفاعة يوم القيامة ، فهو المقام الذي يشفع فيه النبي صلى الله عليه وسلم لمن يؤمر بالشفاعة ، كما قال تعالى:{. . .ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ( 28 )} [ الأنبياء] .
وقوله تعالى:{ نافلة لك} ، أي هذا التهجد نافلة أي زائدة ، أي أن هذا التكليف بالتهجد كنافلة زائدة هو لك أنت مثل قوله تعالى:{. . .وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين . . .( 50 )} [ الأحزاب] ، ولقد قامت هذه النافلة في الذكر عن قراءة الفجر وتأخرت عن صلاة الغسق ، وكانت بينهما ؛ لأن التهجد ليس فرضا على المؤمنين ، ولقد قال تعالى في هذه النافلة المطلوبة من النبي صلى الله عليه وسلم:{ يأيها المزمل ( 1 ) قم الليل إلا قليلا ( 2 ) نصفه أو انقص منه قليلا ( 3 ) أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا ( 4 ) إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ( 5 ) إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا ( 6 ) إن لك في النهار سبحا طويلا ( 7 ) واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا ( 8 )} وإن العبادة إذا أديت على وجهها وخصوصا الصلاة كان العبد قريبا من ربه ، يدعوه فيستجيب له ، ولذا قال تعالى:
{ وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ( 80 )} .