{ وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ( 80 )} .
الإدخال متعدى دخل ، والإخراج متعدى خرج ، وقيل:إن هذه الآية نزلت عندما أذن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج من مكة مهاجرا ، وأن يدخل المدينة داعيا مستنصرا ، ويصح أن يفسر الإدخال والإخراج بهذا المعنى الخاص ، ونرى أنه عام في كل أمر يقدم عليه الإنسان ويريد منه خيرا ، وهو بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم هو الدخول في تبليغ رسالة الله سبحانه وتعالى ، وأداؤه لها والاستمرار في أدائها والزود عنها ، حتى يقبضه الله سبحانه وتعالى إليه .
وما معنى الصدق في هذا المقام ، يقال قول صدق ، وعمل صدق ، وموقعه صدق ، ووقفه صدق ، ونقول:الصدق هو الكمال في الأفعال والأقوال والواقع ، والمواقع ومعنى صدقها أي يبتدئ بها الشخص مخلصا متجها إلى الغاية في أكمل صورها ، مالكا الحق في طلبها سلوكا مستقيما من غير التواء ولا مراء ، معطيا ما يحتاج إليه الأمر من وسائل الاستقامة والخلق الكريم ، وفي الصدق صدق النفس بالإخلاص ، وصدق العمل بالنية الطيبة ، وصدق اللسان والجوارح .
فالدعاء بأن يدخله مدخل صدق ، وأن يخرجه مخرج صدق دعاء بأن يحاط في المدخل والمخرج بالفضائل الإنسانية ، والمكارم كلها ، والحق من كل نواحيه ، هذا الدعاء الذي علمه الله تعالى ، وكل خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم هو خطاب لكل أتباعه لأنه الأسوة المتبع .
وآخر الدعاء قوله تعالى:{ واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا} كان الدعاء الأول بلفظ المتكلم المفرد ، أما في هذا الدعاء فكان بلفظ المتكلم الذي معه غيره ، و{ لدنك} ، أي من عندك وهي تكاد تكون في اللغة العربية خاصة بالعندية لدى الذات العلية .
وكان الدعاء بأن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم ومعه غيره بأن يهبه ومن معه السلطان أي القوة ، و{ نصيرا} ، أي قوة تنصره وتؤيده ويستعمل السلطان بمعنى الحجة ، وبمعنى التسلط ، وبمعنى القوة ، وهي في هذا الموضع تشمل الحجة والقوة الناصرة التي لا تنهزم ، وقد أعطاه الله سبحانه وتعالى كل ما طلب ، وأعطاه سلطانا له ولمن معه فأجيبت دعوته وعصمه الله تعالى من الناس وجعل حزبه هو الغالب وقال:{. . .فإن حزب الله هم الغالبون ( 56 )} [ المائدة] ، وظهر دينه على الدين كله ، واستخلفهم في الأرض ونزع الله ملك فارس وممالك أخرى ، وهكذا .
ونلاحظ أنه عندما طلب القوة ، لم يطلبها لنفسه ، بل طلبها لمن معه وهو بينهم ، لتكون القوة الجماعية ، ومن يطلبها لنفسه فإنما يطلبها للغلبة وقهر المؤمنين كما رأينا من رؤساء المسلمين في هذا الزمان .