وقد بين الله سبحانه وتعالى أنه لن يتركهم في ضلالهم من غير مرشد ، وألا يتخذ لهم عقابا ، فقال تعالى:
{ أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا 102} .
( الفاء ) في{ أفحسب الذين كفروا} مؤخرة عن تقديم ، وهي في معنى السببية لعرض جهنم على الكافرين عرضا ، والهمزة قدمت ، لأن الاستفهام له الصدارة معناه ظنوا ، أو بعبارة أدق معناها توهموا ، لأن الظن يكون له وجه من الصدق ، والاستفهام للتوبيخ ، لأن الكافرين فعلا توهموا ذلك ، وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نلهو ونلعب ، وما كنا مبعوثين .
وقد أشار سبحانه وتعالى إلى سبب توبيخهم ،{ أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء} ، أي أنصارا يوالونهم أو آلهة يعبدونها و{ من دوني} ، أي من غيري ، وهنا كلام محذوف دل عليه قوله تعالى:{ إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا} ، أي يحسبون مع اتخاذهم أندادا يعبدونها أو أنصارا يقاومون بهم حكم الله فيهم ، ونتركهم من غير مؤاخذة أو لا نحاسبهم على ما يفعلون ، وهذا كقوله تعالى:{ أيحسب الإنسان أن يترك سدى 36} ( القيامة ) ،{ إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا} ، هذا ذكر للعذاب وبيان له وقد ذكر علته في قوله:{ أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء} ، واعتدنا معناها أعددنا وهيأنا ، ونزلا معناه مقاما ، وفيه نوع تهكم ، لأن النزل يكون عادة مكانا مريحا يثوب إليه الذي نزل فيه ، ولكنه جهنم وبئس المهاد . وذكر الكافرين إظهار في موضع الإضمار للإشارة إلى سبب نزولهم في جهنم .