وإن هذا من فضل الله ، وهو تقديره وعلمه المحيط ، وقد وسع كل شيء علما ، فهو شامل الوجود كله ، ولذا قال تعالى:{ قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا 109} .
الخطاب في{ قل} للنبي صلى الله عليه وسلم هو يتضمن أمر الله تعالى لنبيه بأن يعلمهم إحاطة علم الله تعالى بكل شيء ولا يغيب عن علمه مثقال ذرة في السماء والأرض ، و( كلمات الله تعالى ) هي تصوير لعلمه الذي لا يحصى ولا يحد ، فهذه الآية أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يصور علمه بأنه غير متناه ، فلا يحدّه حد ، فالكلمات لا تحده ، ولا تحيط به ، ومهما يكن مداد الكلمات ولو كانت المداد ماء البحر ، و( ال ) للجنس والاستغراق ، أي أن البحار كلها{ مدادا} وهو ما يكتب به{ لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي} ، كقوله تعالى:{ لو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم 27} ( لقمان ) ، وإن هذا تصوير مقرب لعلم الله الذي أحاط بكل شيء علما ، فلو كان علم الله يدّون في مكتوب ما وجد مدادا الذي يدون كلماته ، فلو كان البحر مدادا لكلماته سبحانه لنفد البحر وما انتهت كلمات الله تعالى ، وهذا تصوير وتقريب ، وفيه تشبيه بمفردات معلومات الله بالكلمات ، وأنها لا تنتهي أبدا .
وهنا أمور بيانية يجب التنبيه إليها:
الأمر الأول:ذكر كلمات الله تعالى مضافة إلى ربه مرتين ، وذلك بيان لشرفها وعلوها ، لأن علمه كامل .
الأمر الثاني:المقابلة البيانية في قوله تعالى:{ لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي} ، فإن كلمات الله لا تنتهي ، ولكن عبر عن ذلك بالنفاد من قبيل الجناس في قوله تعالى لنفد البحر .
الأمر الثالث:أنه أظهر في موضع الإضمار فقد قال تعالى:{ قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا 109} فذكر البحر ظاهرا ، وموضعه الإضمار لتأكيد سعة كلمات الله تعالى ، ولذا قال:{ ولو جئنا بمثله مددا} يمده كما يمد الجيش الجنود ، هذا ما بدر لنا وما بدا بادي الرأي ، ولكن وجدنا قراءة أخرى ( مدادا ) ويكون المعنى الذي تتلاقى معه القراءات ، وهو أن المعنى ، ولو جئنا بمثله مدادا ، أي لو كان مثله حجما ، ويصح مع ذلك أن يكون لكل من القراءتين معنى فتكون القراءة الأولى تشير إلى أن البحر الزيادة معين للبحر الأول زائد له ، والثانية تفيد المماثلة ، والله تعالى أعلم .
وذكرت هذه الآية التي تفيد علم غير المنتهى ، بل إنه أحاط بكل شيء ومفردات معلوماته لا تتناهى لبيان كمال قدرته ، والعلم والقدرة والإرادة صفات كمال في الخلق والتكوين يصاحب بعضها بعضا ، وإنه بها وغيرها من صفات الكمال تستحق العبادة ، ولذا جاء بعدها قوله تعالى:
{ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربّه أحدا 110} .