أخذ بعد ذلك ينبه بالسفينة ، ثم بقتل الغلام ، ثم بإقامة الجدار ، فقال تعالى:{ أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا 79} .
بعد ذلك أخذ في تفصيل أو تفسير ما فعل وغايته الغيبية أو المال العيني ،{ أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} ، المساكين هنا جمع مسكين ، وليس هو المسكين القسيم للفقير الذي هو أدنى حالا من الفقير ، عند بعض الفقهاء ، أو أعلى حالا من الفقير على قول آخرين ، إنما المراد الضعيف الذين لا قوة ولا سطوة لقلة في العدد ، أو لاستخذاء أمام قوى غالب ، والمراد لقوم ضعفاء ، كانوا يعملون في البحر بحارة أو تجارا ، ولم يكونوا ذوي قوة تغلب أو تقهر ، وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا وراءهم في السير ، أي أنهم يسيرون ويسبقونه ، ويكون هو بعد سيرهم ، فهو يستقبلهم ، ويغتصب سفينتهم لضعفهم واستكانتهم ، وقوله تعالى:{ فأرادت أن أعيبها} ، فهي مقدمة عن تأخير ، لأن سبب إرادة عيبها أن وراءهم ملكا إلى آخره ، والسبب مقدم على المسبب ، ولكنه قدم هنا إرادة العيب على سببها ، لأن إرادة العيب هي سبب لمنع الغصب قدمت عليه ، إذ هذا العيب يحمى هؤلاء المساكين وسفينتهم من الغصب ، إذ يراها ليست مما يرغب فيه ، فيمتنع عن غصبها لا كراهية للغصب في ذاته ولكن استحقارا لها بعد هذا العيب .
والعيب يمكن إصلاحه ، والمهم إنقاذ السفينة من اغتصاب المغتصب .
وإن هذا التأويل يدل على أن ظواهر الأمور قد تكون ضارة بادي النظر ، ولكنها في غايتها ، خير وفير ،{. . . .وعسى أن تكرهوا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم . . . 216} ( البقرة ) .
هذا هو تأويل خرق السفينة أو بيان مآله