سنة الله تعالى في الضلال والهداية
{ قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا 75} .
يقول تعالى ردا على المشركين في غرورهم بالمال والبنين ومتعة الجاه والسلطان:{ قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا} الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم يأمره سبحانه وتعالى بأن يبين لهم الحق والسنة الله تعالى في أمر الضلالة والهداية ، فهو سبحانه يمُّد الذين أرادوا الضلالة وسلكوا سبيلها وأخذوا في أسبابها ، يمدهم فيها مدا حتى يحسبوا أن الأمر إليهم ، كما قال تعالى:{ وأملي لهم إن كيدي متين 45} ( القلم ) ، يمهلهم سبحانه ويتركهم في غيهم يعمهون ، ويزيدهم بالمال ويعطيهم ، حتى يفرقهم الغرور ويجعلهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا . وقال تعالى بلفظ الأمر:{ فليمدد له الرحمن مدا} جاء الخبر على صيغة الأمر ، لبيان أن ذلك بإرادة الله وكأنه يأمره به أمرا ، وهو استدراج من الله تعالى لهم ، كما قال تعالى:{. . .سنستدرجهم من حيث لا يعلمون 44 وأملى لهم إن كيدي متين45} ( القلم ) ، كما تلونا من قبل .
وأكد سبحانه إمهالهم واستدراجهم بالعطاء بوفرة عليهم بالمصدر{ مدا} ، وأسند سبحانه وتعالى المد إلى الرحمن ، وذلك لإفادة أن من رحمة الله بعباده أن يمكن كُلا ما يحب ، ثم يحاسب كُلا على ما فعل من خير أو شر ، فيكافئ كُلا بما فعل إن فخير ، وإن شرا فشر .
ويستمر الضال في غيه{ فسيعملون من هو شر مكانا وأضعف جندا} ، وما يوعدون هو أحد أمرين إما العذاب في الدنيا بالقتال والجهاد واستئصال الشرك ، وقد رأوه في جهاد النبي صلى الله عليه وسلم وقد اجتث الشرك اجتثاثا ، وإن لم يكن الجهاد وضرب الشرك وجعل كلمة الله هي العليا ، فإنها تكون الساعة تستقبلهم ويكون العذاب يوم القيامة .
وعند الوصول إلى هذه الغاية المحتومة{ فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا} ، "الفاء"عاطفة على{ ما يوعدون} ، و"السين"لتأكيد الفعل في المستقبل{ من هو شر مكانا} يوم القيامة حيث يكون في الجحيم ، وضعفاء المؤمنين في جنات النعيم ، وهو رد على قولهم:{ أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا} ، وقوله تعالى:{ وأضعف جندا} ، إذا كان عذابهم في الدنيا فإن أولئك الضعفاء الذين سخروا منهم سيكونون جند الله تعالى ويسحقونهم سحقا ، هذا شأن أهل الضلال الذين اتخذوا أسبابه والذين مدوا في ضلالتهم ، وأملى لهم استدراجا