أما الذين سلكوا سبيل الهداية فقال تعالى:
{ ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردّا 76} .
{ ويزيد الله الذين اهتدوا} بأن سلكوا طريق الهداية وأزالوا كل غشاوة ونفذوا إلى نور الحق{ هدى} بأن يستمسكوا بالحق ويهتدوا بهديه . والآيات التي تنزل تزيدهم إيمانا فوق إيمانهم ، وكل سورة تنزل قوة في إيمانهم ، كما قال تعالى:{ وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون 124 وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون 125} ( التوبة ) .
وإن الذين اهتدوا تشرب قلوبهم حب الإيمان ويستمرئون الطاعة فيسيرون في طريقها ، ويصلون إلى الغاية ، وما كان من أعمالهم فهو باق له أجره وثوابه ويرد عليهم يوم القيامة ، وإن كل خير يبقى ، وكل شر يزول فهو كالزبد يكون له مظهر الوجود ولا يبقى ، ولقد قال تعالى:{. . .فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض . . .17} ( الرعد ) ، والأعمال الصالحة لهذا باقية ، ولذا قال تعالى:{ والباقيات الصالحات} وهي ما تكون ثمرة للإيمان القوى المثمر{ خير عند ربك ثوابا} ، أي خير جزاء وقبولا عند الله ، أما غيرها من الأعمال التي لا تكون ثمرة للإيمان فلا خير فيها ولا تبقى ، ولقد قال في مثل ما ينفق الكافرون:{ مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صرّ أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون 117} ( آل عمران ) .
فالباقيات الصالحات من أهل الإيمان تكون خير جزاء من أعمال الكافرين ، و{ خير} أفعل تفضيل ، ولكنه ليس على بابه ، لأن مقابله لا خير فيه قط ، وقوله تعالى:{ وخير مردا} ، أي خبر ما يرد به المؤمن يوم القيامة فهو يرجع عاريا من كل حلية إلا حلية العمل الذي يكون به الثواب ويكون لغيره العقاب ، والخيرية في أفعل التفضيل ليست على بابها إذ لا خير في غيرها إذا كان أفعل التفضيل ليس على بابه ، فالمراد به أنه بلغ من الخيرية أعلى درجاته فلا خير يعلوه قط .