وإن الله تعالى إذا أنزل معجزة لنبي ، وبدل بها معجزة فذلك من كمال قدرته وليس لمؤمن أن ينكر معجزة ، ولا يطلب معجزة معينة ، وألا يقال:إن الرسول الذي جاء بالمعجزة القاطعة مفتر ، فقد قال تعالى:{ وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون ( 101 )} [ النحل] فإن الله العليم الحكيم هو الذي يختار من الآيات الدالة على رسالة أنبيائه ما يراه أقوى دلالة ، وأكثر بقاء ، فهو الذي يعلم الآيات كلها ، وهو الذي يدبر كل شيء بحكمته ، وإرادته ، وإن الله أعلم حيث يجعل رسالته ، وهو أعلم بمكان آيته ، ولقد قال تعالى في ذلك:{ ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض} الهمزة للاستفهام الإنكاري بمعنى النفي أي إنكار الوقوع ، فما بعدها يكون منفيا بها ، ولم نافية لما بعدها ، فيكون نفي النفي ، ونفي النفي إثبات ، كما يقر علماء البيان ، والنفي على طريقة الاستفهام فيه تنبيه بليغ ، لأن الاستفهام في ذاته فيه إثارة للانتباه ، والمعنى:تعلم أيها الرسول ، أن الله تعالى له السلطان الكامل في السموات والأرض ، فله التدبير المطلق الذي لا قيد يقيده لا يسأل عما يفعل وهم يسالون فإذا اختار آية دالة على رسالة نبي مرسل ، فله أن يختار آية أخرى لنبي آخر ، فإذا اختار تسع آيات لموسى ، واختار مثلها لعيسى ، فله أن يختار لمحمد صلى الله عليه وسلم غيرها أبقى وأدوم ، وأقوى دليلا ، وتحديا للأجيال كلها الإنس والجن .
وإن الله سبحانه وتعالى ببيان هذا العلم الشامل الواسع يشير سبحانه وتعالى إلى بيان القدرة على عقاب من يكذب وينكر ، ويجحد بآيات الله تعالى ويقول حيث وضح الحق وقام ، إنما أنت مفتر ؛ ولذلك قال تعالى من بعد بيان شمول علم الله تعالى:{ وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير} وهذا أنفى لهم عند العذاب النازل بهم من أن يكون لهم ولي ، أي صديق ، أو ذو ولاية عليهم يحميهم بولايته ، ويكلؤهم بمحبته أو نصير ينصرهم والشدائد نازلة بهم يوم القيامة .
وقد أكد الله تعالى نفي الولي والنصير ، بمن التي تدل على استغراق النفي ، أي ليس للمعاندين لآيات الله تعالى ولي أي ولي كان ، ولا نصير أي نصير كان قويا أو ضعيفا ، وأكد سبحانه النفي بتكرار لا . وإن ذلك النفي المؤكد يفيد أنهم يجيئون إلى الله تعالى فرادى كما خلقهم أول مرة ، وهو سبحانه مالك يوم الدين .
أشرنا إلى أننا اخترنا أن يكون النسخ في هذه الآيات الكريمات هو نسخ الآيات الدالة على رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن تغيير آية يأتي الله تعالى بخير منها أو مثلها ، وإن قدرة الله على ذلك ثابتة وله فيما يفعل حكم ظاهرة قد نعلمها بإدراكنا الناقص ، وقد تعلو على إدراكنا .