وقد بين سبحانه بعض هذه التأويلات الفاسدة ، والتفسيرات الكاذبة ، فحكى سبحانه وتعالى عنهم فقال:{ وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة} .
هذا القول من التأويلات الفاسدة ، وهو مبني على قولهم نحن أبناء الله تعالى وأحباؤه ، وأنهم لا يعذبون ، ولكن يمتعون ولا يأثمون{ وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة} قالوا:لن تعذبنا النار إلا أياما معدودة ، بل قالوا:{ لن تمسنا النار} ، كأنهم لا يدخلون حتى في هذه الأيام ، بل تمسهم ريحا أو نحو ذلك مما يفتري المفترون كما تقول أنت تهديدا بالضرب أو نحو ذلك:لن تلمسنا بيدك قط إلا مسا خفيفا .
فهم نفوا نفيا مؤكدا – بلن – أن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة تمسهم مسا ، ذلك قولهم ، وتلك أمانيهم ، ومعنى معدودة أنها عدد قليل يعد وليس عددا كبيرا تجاوز الحسبة . وهذا القول يدل على أمرين:
أولهما – بيان أنهم صنف مختار والعذاب والحساب على غيرهم ، فهم الذين يحاسبون ويعاقبون ، أما هم فهم فوق الحساب ، وفوق العقاب .
وثانيهما – الاستهانة بأوامر الله تعالى ، وما يكون وراء ذلك من حساب أو عقاب .
ويبين سبحانه أن ذلك الوهم الذي يتوهمونه ، ويغترون به ليس له أساس يعتمدون عليه ، وأنهم لا عهد لهم بذلك فقال سبحانه:{ أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده} الاستفهام هنا إنكاري لإنكار الواقع ، وتوبيخهم على فعلهم الواثقين به في ذات أنفسهم الموقنين به كأن الله عاهدهم ، والمعنى أن الله تعالى لم تأخذوا منه عهدا عاهدكم عليه ، وهو وحده الذي يملك العقاب ومقداره ، بألا يعاقبكم إلا بهذا القدر ، وهو أن النار لن تمسكم إلا أياما معدودة ، فالاستفهام يتضمن النفي ، ويتضمن التوبيخ لهم على ما هم عليه ، ويتضمن التعريض بنقضهم للعهود التي أخذت عليهم والمواثيق التي وثقها وأكدها ، ومنها رفع الطور عليهم ، وأخذهم ما أوتوا بقوة .