ولقد بين سبحانه وتعالى أن العقاب يكون على قدر العمل ، والثواب يكون على قدر العمل ، فلا ينظر فيه إلى الذات ، بل الجميع خلق الله تعالى ، ولا يريد سبحانه إلا العمل الصالح ، والامتناع عن الشر{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ( 7 ) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ( 8 )} [ الزلزلة] .
ولذا قال تعالت كلماته:{ بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار} فتضمن الإجابة على قولهم ورده ، والإضراب عنه ، فالمعنى:تبين كلامكم ، وهو باطل مخالف لما شرعه الله سبحانه وتعالى من عقاب وثواب أنه للأعمال من غير نظر إلى الذوات ، بل الجميع على سواء أمام الله سبحانه وتعالى ، في الجزاء إن خيرا فخير وإن شرا فشر .
وذكر العقاب في الرد دون الثواب ، لأنهم اجترءوا على الله تعالى فخالفوه ، وكفروا بنعمه ، وعصوه ظاهرا وباطنا فقال:{ من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته} . الكسب العمل الذي يصير حالا ثابتة قائمة مستمرة ، فمن عمل خطأ لا يقال إنه كسبه ، ومن عمل إثما عن جهالة وضلالة ثم تاب من قريب لا يقال إنه كسبه ، إنما يقال إنه كسبه إذا عمل قاصدا مستمرا ، حتى يكون له مجرى في قلبه ، وينكت فيه نكتا سوداء ، فهذا هو الذي يقال له كسب السيئة ، والسيئة فيعلة من ساء يسوء سيوئة فهي في أصلها سيوئة ؛ اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء بمقتضى القاعدة الصرفية ، والسيئة كل فعل يكون أثره سيئا في الناس أو في الجماعة أو في النفس ، فيفسد التقدير ، ويكون وبالا ، فيظلم نفسه ، والناس ، ومن حوله .
والخطيئة فعيلة من الخطأ ، ولكن هناك فرق بينهما فالخطأ يقع من غير قصد ابتداء ، ولكن لا يتكرر ، أما الخطيئة فهي الفعل المقصود الآثم المتكرر الذي يخط في النفس خطوطا ، حتى يصير الذنب عادة له أو كالعادة فيصدر الشر عنه وباستمرار من غير قصد خاص إليه ، وكأنه يقع غير مقصود ، وفي الحال تكون النفس قد أركست بالشر إركاسا ، فالخطيئة حال نفسية للنفس الآثمة التي تمرست بالإثم ؛ ولذا قال تعالى:{ وأحاطت به خطيئته} أي أن الخطيئة استولت على النفس ، وصارت كأنها قبة قد أحاطت بالنفس الآثمة من كل جوانبها .
وفي هذا إشارة إلى أحوال بني إسرائيل وأنهم قد أحاطت بهم خطاياهم .
وقد ذكر سبحانه وتعالى جزاء هؤلاء وهو محقق بالنسبة لبني إسرائيل{ فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} الإشارة إلى الذين كان منهم كسب العمل الخبيث ، وأحاطت بهم خطيآتهم ، واستغرق الشر نفوسهم ، فاٌٌٌٌٌٌٌٌلإشارة إلى الذين فيهم هذه الحال ، وقد حكم سبحانه وتعالى بأنهم{ أصحاب النار هم فيها خالدون} .
وقد أكد خلودهم في النار بأنهم أصحابها أي الذين يلازمونها ، والذين حكم عليهم بصحبتها ، وأكد سبحانه وتعالى خلودهم فيها بالجملة الاسمية ، وبضمير الفصل هم . وكان تأكيد خلودهم وملازمتهم بالصحبة ردا على ادعائهم أنها لن تمسهم إلا أياما معدودة ، وأنهم غير مخلدين بل هم أصحابها الخالدون فيها .
وإن الرد على أولئك الذين دلاهم الشيطان بالغرور فقالوا:لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ينتهي إلى هنا إن كانوا يتدبرون ويعقلون .
ولكن سنة الله تعالى في كتابه الحكيم أن يقرن ببيان العقاب لأهله ، وبيان الثواب لمن عمل الخير وداوم عليه لتكون العظة كاملة ، فيها جزاء الخير وجزاء الشر ، وكل بما كسب رهين .